و لقمة سائغة لأصحاب النفوس الضعيفة ، بينما نحن في الشارع قد نعاين بضاعة بسطة تجارية، او و نحن نحشر بأجسادنا وسط جمع بشري يلهث للفوز بركوب واسطة نقل، فاختلط الحابل بالنابل وسط الازدحام ، و التصق الصياد بالفريسة لتنعدم مسافة الأمان إلى ما دون الصفر ..
عن حوادث النشل تطول الأحاديث و تتلون المعاناة ، فإن لم تكن حريصا معانقا لحقيبتك و حارسا يقظا لجيبك ، فقد تفقد محفظتك او جوالك و تدور في حلقة مفرغة المتهم فيها مجهول وسط الزحام .
راتب شهرين
لم تكن في موقف تحسد عليه ، امرأة خمسينية جلست على حافة رخامية للصراف الآلي ، في منطقة البرامكة ، ففرحتها بقبض راتبها و راتب زوجها لم تدم طويلا ، لتغرق في صدمة فور فتحها لحقيبتها ، كي تدفع ثمن جوارب اشترتها من إحدى البسطات المجاورة ، فقد صعقتها المفاجأة المرة ، و جرت أذيال مصيبتها إلى حيث جلست خائرة القوى ، لتجري اتصالا هاتفيا من جوالها الذي نجا من براثن النشالة ، لحسن الحظ انها كانت ممسكة به ، فزفت حادثة النشل خبرا عاجلا صادما لزوجها المسكين ، أنهت شكواها العقيمة ثم التفتت إلي محدثة .. كل شي راح من الحقيبة ، راتبان و البطاقة الشخصية و بطاقتا الصراف الآلي و البطاقة الذكية ، هذه المرة الثانية التي أتعرض فيها للسرقة ، و قد حرصت على شراء حقيبة تكون صعبة الفتح و تعلق على الصدر ، كيف استطاعت تلك المرأة فتحها ؟ لقد كانت تقف إلى جانبي ، و التصقت بي و حاولت استشارتي بنوعية الجوارب ، و كانت يدها خفيفة جدا لم أشعر بها .
أريد بطاقتي الشخصية فقط
في كراجات السيدة زينب في المنطقة الصناعية ، يكاد لا يخلو يوم من حادثة نشل يكون ضحيتها أحد ركاب السرافيس و خاصة سرقة الجوالات، و الضحية هذه المرة فتاة التجأت إلى عناصر الأمن و هي تبكي فسمعها كل المتواجدين في الكراج ، كانت تستجدي أن يعيدوا لها محفظتها التي تحوي جواز سفر و هوية شخصية فقط ، أما المال فهي تتنازل عنه, و لم تفلح محاولات عناصر الأمن الذين أوقفوا السيرفيس، و فتشوا الركاب في محاولة يائسة لاكتشاف النشال الذي كان بارعا في السرقة ، ليصبح العثور عليه مهمة صعبة كالبحث عن إبرة وسط كومة قش .
تخطيط مسبق
في عملية أخرى حدثني أحدهم بواقعة كادت تفقده عمله ، فالسارق ذو السوابق اعتاد مراقبة ضحيته ، و قد وضع خطة محكمة للفوز بغنيمة قيمة تكفي لشراء مشروبات روحية و بعض من المخدرات التي يدمن عليها ، و هذه المرة كانت ضحيته مندوب مبيعات للجوالات ، و الذي نسي باب سيارته مفتوحا لسوء حظه ، لياتي السارق و يأخذ راحته بانتقاء الجوالات الثمينة و يهرب ب 21 جوالا في وضح النهار ، ثم يذهب بها بعد فترة ليعرضها للبيع في منطقة جرمانا ، حيث تم استدعاء الشرطة و إلقاء القبض عليه .
بيئة مساعدة
" احذروا النشالين " عبارة تحذيرية أصبحت تنتشر في الكثير من الأماكن المزدحمة ، و التي تشكل بيئة فاتحة لشهية النشالين ، فنجدها في مراكز تحويل الأموال و المصارف و في المحلات التجارية و خاصة سوق البالة ، و التي ينتشر فيها النشالون في غفلة عن المتسوقين المنشغلين وسط الازدحام لانتقاء البضاعة من البسطات المكتظة ، و كل يوم تحدث حادثة نشل لإحداهن ، فكانت تلك المرأة تدور و تسأل و قد فقدت صوابها لتصف إمراة غافلتها ، و نشلت كل ما تحتويه حقيبتها من جوال و بطاقة شخصية و مال بلغ 18 ألف ليرة أرادت أن تشتري به ملابس شتوية لأطفالها ، و لكن لم تفلح بالعثور عليها بعد أن توارت عن الأنظار .
الغاية لا تبرر الوسيلة
في الحديث عن أسباب هذه الظاهرة ، قد يرجعها البعض لتفشي الفقر وثقل الضعوطات المادية التي أفرزت الكثير من الفقراء و العاطلين عن العمل، ليجدها غاية تبرر الوسيلة و يتذرع بالضرورات التي تبيح المحظورات ، بينما الضحية من ذوي الدخل المحدود و أصحاب الحاجة ممن يعملون ويكدون ليأتي النشالون و يقطفوا ثمرة جهده .
شكوى و ملاحقة قانونية
لم يكن النشل في يوم من الأيام مقبولا اجتماعيا ، و لا أخلاقيا و لا يحظى بالتبرير أو منح العذر للنشال مهما كانت ظروفه بائسة ، و إن كان حري بنا أن نلجأ إلى المطالبة بتعزيز الوعي المجتمعي ، و كشف خطورة هذه الظاهرة التي تؤرق الكثيرين ، إلا أنه في نفس الوقت لابد من اتخاذ السبل كافة لتحسين الوضع المعيشي ، و تأمين فرص عمل ، كي لا يكون الفقر و الجوع مبررا للجوء إلى سبل عيش ملتوية ، و بين الجاني و المجني عليه تبقى الشكوى و الملاحقة القانونية و المتابعة القضائية و المساءلة الأخلاقية هي الفصل و الحكم .