تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تشكيل... سوسن حج إبراهيم في ثقافي العدوي..تعبيرية الوجوه.. وبحث تقني عفوي

ثقافة
الخميس 30-1-2020
أديب مخزوم

«نغمات أنثوية» عنوان معرض الفنانة التشكيلية سوسن حج إبراهيم، الذي أقامته في المركز الثقافي بالعدوي، وتضمن أكثر من خمسين لوحة جديدة، وشكل الإطلالة الرابعة،

في سلسلة معارضها الفردية والخاصة، وفيه وصلت إلى جوهر التعبير عن عوالم الحلم والإيقاع الموسيقي الأنثوي, ومن هذا المنطلق تمنح عملها صفة المختصر المفيد, حيث يغيب الشكل الواقعي تماماً, وتبقى إشاراته الدالة عليه, بحركات وضربات ولمسات وملامح جريئة في الوجوه, تزيد من ارتباط لوحاتها بقلق حياتنا المعاصرة في أزمنة الحروب والمآسي والويلات.‏

تحولات تشكيلية‏

و غابت عن أعمالها الجديدة الخطوط المتقاطعة والمنكسرة، والوجوه المقلوبة والمائلة، التي ميزت معرضها السابق، فالتجربة تسير في إطار هاجس اختصار موضوع وجه المرأة، الذي يأخذ أحياناً شكل دائرة، وهكذا تعيد صياغته بلمسات لونية عفوية متتابعة ومتجاورة لإيجاد حلول حديثة للتأليف أو للتكوين الباحث عن ملامح لمناخ تعبيري, لا يتبلور فقط عبر الحركات واللمسات والضربات اللونية العفوية، وإنما عبر التأكيد على تنويعات الموضوع الواحد (الوجه أو البورتريه) والبحث عن تغييرات في المعالجة بين لوحة الأمس ولوحة اليوم.‏

ومن خلال معالجاتها العفوية أكدت علاقتها بثقافة فنون العصر، التي جعلتها تشق طريقها نحو اختصار الوجوه والبنى المعمارية والزهور وغيرها وتضفي الخلفيات التجريدية، وتغوص في المسائل التقنية عبر المعالجة اللونية الموضوعة فوق بعضها البعض، وغير ذلك من أفكار جمالية حديثة، تتعاطى مع المساحة كلون عفوي معبر عن حداثة الرؤية، التي تنتمي إلى ثقافة وجماليات فنون العصر, والتي جاءت بعد سلسلة تجاربها اليومية المتواصلة، التي تتشابك فيها الحركات اللونية والخطوط واللمسات والزوايا, وتصل حدود البياض اللوني. فالتأليف يخرج من ذاتها وأحاسيسها ورؤاها الفنية, من دون أن يبقى الموضوع محافظاً على حضوره التقريري المباشر, وهذا هو الشيء الهام قبل أي شيء آخر.‏

موسيقا لونية‏

وهي تقيم علاقة بين الموسيقا والتشكيل للوصول إلى جمالية الإيقاعات اللونية الكامنة في موسيقا اللوحة، وما يتداخل فيها من تموجات شاعرية وغنائية، وهذا يؤكد أن الموسيقا البصرية تشكل هنا المدخل الحقيقي للحرية التعبيرية (هي التي برز اهتمامها الكبير بالرسم والموسيقا على حد سواء) وبذلك تكسر السياق الموضوعي, وتركز أكثر على الإيقاعات اللونية المتراقصة, إنه اكتشاف جديد للفن الحديث، يؤمن بالتفاعل بين الفنون البصرية والسمعية، وبقدرة اللوحة الحديثة على التعبير عن الايقاعات البصرية الموسيقية المقروءة بالعين, حيث تظهر لمساتها اللونية العفوية وكأنها مشروع للتعبير عن موسيقا اللون في ديمومته الإيقاعية والحركية, هكذا تظهر الغنائية البصرية وحركاتها الإيقاعية كألحان بصرية أو كمقطوعات موسيقية لونية، وهذا يمنح لوحاتها فسحة تفاؤل وأملاً رغم مرارة الواقع.‏

وسوسن حج إبراهيم تصل في هذا المعرض، إلى صياغة فنية مختصرة ومحورة لملامح الوجوه أرادتها منطلقاً في البحث عن صياغة أسلوبية تتقارب في كل اللوحات المعروضة, وهي تستعرض تلك العلاقة الحميمية بين حضور إشارات الواقع وغيابه وبين اللون والوهج والسكون والحركة، ضمن هاجس إبراز التضاد والإيقاع « الكونتراسي» بين الألوان الخافتة والمتوهجة.‏

شاعرية أنثوية وطفولية‏

وهذه الطروحات بإطارها الجمالي, المعبر عن روحها وحسها الطفولي، تبرز قدرة العمل الفني التعبيري، على تحويل المساحة اللونية إلى فسحة للحوار والتأمل والوصول إلى علاقة حقيقية مع المشاعر الأنثوية، التي أرادتها منطلقاً لمعرضها, كما ترضي اللوحة كل النواحي التي تتوق نحو الجمال عبر استحضارها كحدث لذاكرة محلية تجسد حالات الوهج اللوني، الذي يشكل المظهر الرئيسي للتعبيرية المشرقية.‏

ورغم أن سوسن تقدم ألواناً وتعبيرات وتحويرات جريئة للوجوه, إلا أنها تهتم بالناحية الأسلوبية وتضفي المناخية الخاصة على لوحاتها، التي تكتسب أهميتها من استفادتها من ثمرة خبراتها التقنية المتواصلة، في معالجة المادة اللونية بكثافات واضحة, وكأنها تجسد تضاريس المكان الذي احتضن طفولتها وفتوتها, وفي هذه المجموعة من لوحاتها الحديثة تعتمد الحركات الخطية التلقائية واللمسات العفوية كمدخل للكشف عن الفكرة (اختيار الوجه كأساس في لوحاتها الفنية) والشعور (التفاعل العفوي مع احاسيسها الطفولية) حيث تجسد الاندفاعات العاطفية للكشف عن التقنيات المعاصرة في خطوات سعيها وراء حرية اللون واللمسة التعبيرية الغنائية النابعة من القلب (أي من الانفعال) رغم انحياز العين لها.‏

هكذا تبرز تقنية تركيب الطبقات اللونية وسماكتها وسطوحها الناتئة في أحيان كثيرة، لإثبات الحضور الفني والبحث التقني الصرف, الذي يعمل على إبراز جمالية لونية غنائية متشابكة بحركات دائبة ومتواصلة، تبحث عن إيقاعية التشكيل التأليفي والتلويني, دون أن تخرج عن السياق العام الذي تطل من خلاله على عالمها الداخلي، الذي يتجسد على سطح اللوحة, فتتحول المساحة إلى ما يشبه الغناء اللوني المكتنز بالحركة، والأكثر تمثيلاً لشخصيتها الطفولية وعوالمها الذاتية والروحية.‏

facebook.com adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية