، أو لم يُعملوا الذاكرة في هذا الشأن لأن الذي يحق له أن يراجع التاريخ، و يحلل بنية الحدث فيه، وعوامل الحدوثية بين مدخلاتها، ومخرجاتها، هو السيد في المجرى التاريخي، والحر المستقل صاحب اللحظة، ومالك البرهة الوطنية له، ولشعبه، أما عبيد التاريخ، وعمال القاطرة التاريخية فليس لهم وطن ولاتاريخ وهم- والحالة هذه- مأمورون في بيع أي وطن يكونون فيه، أوتدمير بواباته، وحصونة لينفتح الطريق نحو الأعداء أرباب النعمة، ولتسهل مسألة تدمير الوطن تحقيقاً لطمع من يطمع فيه.
والتاريخ العربي مليء بقضايا، وحوادث الاستقواء بالخارج التي مارسها من كان على حجم من المسؤولية، ومن سمحت له تناقضات البنى القبلية أن يجد مخارجه في العوامل الخارجية، ولم يجدها في السبل الداخلية الأكثر ضمانة وحماية وضرورة وعليه فقد بقيت أرض العرب بمن عليها جاذبة لكل طامع ومفتوحة لكل غاصب منذ أن سقطت في إمارة سيف الدولة الحمداني في حلب آخر معاقل الدولة العربية، ودخلنا زمن الاستعمار- بكافة أشكاله- حتى اللحظة المعاشة من عصر العرب، ومع ذلك لم يقف أبناء الأمة الواحدة، والأرض الواحدة، والتاريخ الواحد على حقيقة واحدة من حقائق المراجعة اللازمة للحفاظ على ما بقي لنا من عقد اجتماعي، أو أرض وجذور وتاريخ، وفي كل حقبة من الزمان يدخلنا الخارج في أحابليه ومقتضياته مطامحه ومشاريعه كي نهدم أمامه ماكنا قد بنيناه من حصون أو عوامل منعة وطنية وصناعة، ويجبرنا من خلال عملائه فينا على تحطيم ماملكناه، وتجهيز أنفسنا لجر عرباته بدلاً عما خُلق لمثل هذه الحالة.
وما أشبه اليوم بالأمس عند بعض العرب، والاحتياطي الخياني موفور عند من في صبغياتهم بيع الوطن أو تدميره كرمى لأرباب النعمة من الأعداء، ولايتذكرون مَن قال: أجارتنا إنا غريبان ها هنا.. إلى أن يقول: وإني مقيم ما أقام عسيب فالذي يخسر وطنه يموت بعيداً في جبل عسيب بآسيا الصغرى ويدفن هنالك ولكن العرب أو البعض منهم وحصراً في النظام الرسمي مغلف على قلوبهم، ومأجورون.
وللتاريخ العربي في السرد الروائي على ألسنة الفقهاء، أو في المكتوب منه بأقلام البلغاء والعلماء، فيه كل جواب على كل سؤال، وفيه العبرة الكبيرة لمن يعتبر من دلالات تقلّب الأحوال فإلى متى نسير من وراء من لايريد لنا وجوداً إلا إذا كان لخدمته، ولايريد لنا حياة إلا إذا كانت على طريقته؟!.
والغريب فينا- وخاصة الرموز المزروعة بيننا- إذا قيل عن تفسير ما لظاهرة ما ولا يقرّه أي علم نجدهم أي رموز الخيانة جاهزين للأخذ به، والمدافعين عنه، وبائعي الضمائر في سبيله، ومثال الحرية، وحقوق الإنسان والديمقراطية على ضرورات هذه المفاهيم هل نخرج من أجلها من حالة العداء لعدونا الصهيو أميركي ونصبح معه في جبهة واحدة ضد نظام رسمي عربي، أو ضد أنفسنا فيه؟! متى كانت حرية الفرد الإنسان عند العرب أكثر أهمية من ضياع الأوطان؟! نعم تحت شعار الحرية أصبحت إسرائيل حليفةلنا، ولم يَعد ما تهوده من أرضنا في عنايتنا فنحن طالبو حرية، ولو أن إسرائيل قد اغتصبت الأرض وتُدمر الهوية.
وتحت مسمى الثورة نسير نحو تدمير نظامنا العربي، وعلاقاتنا العربية، ومستقبلنا العربي، ولايمكن أن تعني لنا الثورة أنها على غاصبي الوطن من الصهيوأميركيين، فالثورة ليست حركة تحرير الوطن من الصهاينة الغزاة، الثورة هي على الذين من أبناء جلدتنا يقاومون هؤلاء الغزاة، ومتى كانت الثورة من أجل تغيير حاكم عربي مهمة جداً ولو بقيت البنى التي بناها ذلك الحاكم حاكمة في حالة الوطن بعد رحيله؟ لقد علمنا تاريخ الثورات أن الثورة تتحقق في لحظة يكون الوطن فيها مستعمراً لتسمى الثورة الوطنية لتحرير أرض الوطن، أما حين تكون الثورة من أجل استدعاء من يحتل الوطن ويدمر حياة الشعب عليه فهذه الثورة للأعداء علينا أصالة ونيابة.
والثورة الاجتماعية داخل الوطن تستدعيها ظروف طبقة مستغلة مستبدة، ويقوم بها الشعب متحالفاً بنفسه ولنفسه، ولايمكن أن تستدعي الخارج لتعطيه ما اكتسبته، وتفرط بما أنجزته، إذن الثورة- بكل تعريف- لها أخلاقيتها وليست استدعاء لأجنبي لاحتلال الوطن، والثورة حرص على ما أنجزه الشعب وليست تدميراً لكل إنجاز، والثورة على غاصبي الجولان وفلسطين، وليست على المقاومين العرب والمقاومة- وهنا نذكر حماس وماذا عليها اليوم- والثورة أن نحرر الثروات العربية من النهب، والحياة العربية من الأساطيل الأمروصهيونية، والثورة أن نمنع تهويد القدس وهدم الأقصى المبارك، أما أن نهدم وطننا لتحيا إسرائيل حرة مستقلة، فهذا وأيمُ الله ليس الثورة.