بعد منتصف الليل، ولم يكد البارودي يفرح بأنه سيغرق في نوم عميق، حتى أخذ (صرصور) ثقيل الدم يرسل غناءه وألحانه، فإذا ما ترك البارودي سريره، وهبّ يبحث عنه لينتقم منه سكت، وإذا عاد الشاعر إلى السرير، استأنف الصرصور غناءه الهابط، وفي الصباح كتب فخري الأبيات التالية:
ياليلة النحس في بيروت حالفني
فيها النعاس وكرب النفس مشؤوم
لا البق لا القمل لا البرغوث أزعجني
لا البرغش الفظ لا الذباب لا البوم
لكنما صرّ صرصور فأقلقني
وطار نومي وجفني منه محروم
في أول الليل صوت الجاز أرقني
والقلب في الصدر مهموم ومغموم
ما كاد يسكت قرع الطبل وا أسفي
حتى سمعت صريراً كله شوم
في غرفتي حل صرصور فأقلقني
والجسم من صوته المسموم مسموم
يصرّ صرّاً.. فإن أنهض لألقطه
يسكت، وإن نمت يستهويه ترنيم
وإن رجعت أعاد العزف متصلاً
كأن ترنيمه للغيظ تنغيم
يا ليلة لم أذق طعماً لغفوتها
قضيتها وأنا بالغيظ محموم
وفي مطلع الأربعينات من القرن العشرين كان فخري البارودي على خلاف كبير مع رئيس الجمهورية آنذاك تاج الدين الحسيني، بسبب علاقات الأخير مع سلطات الاحتلال الفرنسية، وتقابل الاثنان مصادفة في مقبرة وكان البارودي خارجاً منها ورئيس الجمهورية داخلاً إليها، فسأل الرئيس الحسيني فخري البارودي:
- شو عم تعمل هون يا فخري بك؟
فأجابه البارودي باسماً:
- انبسط.. قبرنا سياسة حسن التفاهم مع سيادتكم!!