في بيتي كما في كل بيت أسري سوري يعمل التلفزيون على نشرات الأخبار وعلى الشريط الإخباري وعلى اللقاءات السياسية والبرامج التحليلية، حيث إننا حرمنا أطفالنا من برامجهم المفضلة من جهة وأقحمناهم في خضم الأحداث وحمّلناهم وجهات نظرنا حيال الأحداث عن قصد أو غير قصد.
في هذه المادة كان لي لقاءات مع طلبة مدارس أبدوا من خلالها آراء مختلفة:
- مها طالبة حادي عشر تقول: كلما أردت أن أشاهد فيلماً على إحدى المحطات فإنني أواجه بجملة «حفظتها من أهلي» وهي: الناس وين وأنت وين!!
وتضيف: أنا أسمع الأخبار وأرى بعضها من مشاهد مؤذية لا أستطيع أن أتابعها لكن في البيت يريدون رؤيتها والتعليق عليها.
أما في المدرسة فإن المدرسين يعكسون أيضاً عقدهم علينا، فمنهم مؤيد وآخر معارض وأصبح بعض المدرسين يأخذون من وقت الحصة ليعرضوا علينا ما شاهدوه البارحة على التلفزيون من أحداث ويمرر الآخرون منهم عبارة أو جملة نفهم من خلالها اتجاههم.
- مصطفى طالب بكالوريا يقول: لابد أن يكون لنا رأي في الأحداث التي تجري في وطننا ولا يمكن أن نكون على الهامش وأيدته -هيا- وصرحت أنها كانت تخرج في مظاهرات المطالبة بالإصلاح لكنها الآن تنتبه لدراستها لأن الامتحانات على الأبواب.
بينما ذكرت ندى طالبة بكالوريا أن لكل إنسان اختصاصه في المجتمع، فكما أن الطب للطبيب والنجارة للنجار فإن السياسة للسياسيين وأضافت: أنا أطلع على الأخبار لكن لا أضع نفسي طرفاً فيها حيث إنني أجد في البيت رأياً وآخر مختلف في المدرسة سواء كان من صديقاتي أم من بعض المدرسين ولا أريد أن أضيع دراستي ومستقبلي هنا وهناك.
أطفالنا ليسوا ملكاً لنا
إذا كانت آراء طلبة المدارس واضحة وصريحة ومنهم من اتخذ رأياً نابعاً من ذاته وهم قادرون في عمر الـ 16 عاماً أن يبدوا توجهاتهم لكن الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات والذين قضت أسرهم على أحلامهم ومنعتهم من الهدوء في كنفهم غير قادرين على تشكيل آراء دون ذويهم فهل هذا منطقي؟
الموجهة التربوية وفاء تقول: نواجه في مدارسنا حالياً بعض الأطفال الذين يعبؤون من قبل المناخ العام في بيوتهم بالتوجهات السياسية التي يرغبون تبنيها وللأسف فإن بعضهم يستخدم ألفاظاً غير أخلاقية بحق أحد الطرفين إما المؤيد وإما المعارض، وتحصل بينهم مشادات بالأيدي وتضيف وفاء: لقد استدعينا بعض الأطفال إلى مكتبي لأعرف سبب هذه المشادات فوجدت أن كل واحد من أسرة تلقنه الدروس التي تريدها من خلال نقاشاتها ومن خلال المحطات التلفزيونية التي يشاهدونها ويحرمون أطفالهم من رؤية غيرها وتلفت وفاء إلى أن أحد أخوة الأطفال يراقب أخوه في البيت أثناء غياب الأب أو الأم ليقول لهما إن أخي شاهد محطة تلفزيونية مخالفة لأوامرهم.
وتختتم الموجهة قولها: إن الوضع العام الذي تشهده سورية أفرز اتجاهات تربوية خاطئة من قبل الأهل وحتى من بعض المدرسين فإذا كانوا يؤمنون بحرية الفكر فليتركوا أولادهم يختارون وليتركوهم يكونون قناعاتهم بأنفسهم وحسب سنوات عمره فلا يفرض الأهل ما يريدون على أطفالهم ظناً منهم أنهم يبنون شخصياتهم ويدعمونها لتكون أكثر قوة في المستقبل إنهم في ذلك مخطئون أشد الخطأ لأنهم يشكلون سيطرة وقمعاً على أولادهم ويمنعونهم من التعبير عن آرائهم في المستقبل بعيداً عن رأي آبائهم.
إحصائية في استخدام العنف اللفظي
أجرت جامعة دمشق استبياناً حول استخدام الأهل للعنف ضد أولادهم فتبين أن 53 بالمئة من الآباء والأمهات يستخدمون العنف اللفظي الذي يشمل السباب والشتائم والدعوات عليهم كوسيلة من الوسائل القمعية وأن 42٪ من الآباء يستخدمون الضرب لإقناع أولادهم بما يريدون.
وحسب مشاهداتي فإن هذا الجيل من الأبناء يتأثرون بالعنف اللفظي أكثر من الضرب.
ويحضر على البال جملة للأديب جبران خليل جبران عندما غنته السيدة فيروز حيث قال: أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة، والحياة لا تقيم في منازل الأمس.