هذا مقطع صغير من رواية الكاتبة أنيسة عبود الأخيرة بعنوان
« قبل الأبد برصاصة ».
الصادرة حديثا عن دار الهلال المصرية التي احتفت بالكاتبة .
« النعنع البري » رواية أخرى للكاتبة فازت من قبل بجائزة المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة عن الرواية العربية ، وهنا لابد من القول « إن من المحزن أن تكرّم الكاتبة ، أنيسة عبود ، أو غيرها من الكتاب والأدباء السوريين خارج سورية، وأن تقوم دور النشر العربية ، وغير العربية بطباعة أعمالهم ، وفي بلدنا سورية المقاومة المناضلة العروبية لاتذكر المؤسسات الثقافية حتى أسمائهم .. وبتعبير أدق تتعمد تجاهلهم.
رواية أنيسة عبود « قبل الأبد برصاصة «
اتسعت أصداؤها الأدبية في شارع الثقافة المصري ، وأثارت في نفسي كثيراً من الوجع والقلق والألم على العراق ، تقول بطلة الرواية: لكن دورا سبقتني وقالت لقد ذبحوا أحمد العلي ، دخلوا منزله واغتصبوا زوجته أمامه ، وعندما صرخ متوجعاً أطلقوا النار عليه ومضوا» الصفحة 14 من الرواية .
بت أخشى أن ينسحب الوجع العراقي على العالم العربي ، و سورية الساحة المرشحة ، لتدفع ثمن هزيمة المشروع الأميركي الصهيوني في العراق وفي لبنان ، وغزة ، وفي المنطقة .
رواية «قبل الأبد برصاصة » .. تقرع الرؤوس التي مازالت تحمل همّ العروبة ، ولم تعد كثيرة ، لتفتح فيها ثقوباً من الوجع والخوف ، لتقدم قوات المارينز كيف اغتصبوا العراق بأرضه ونفطه وتاريخه وثقافته ورجاله ونسائه ، كيف اغتصبوا مها ، ودالية ، وسلمى ، و نساء كثيرات ، وأطفالاً كثيرين ،ورجالاً كثيرين في سجون أبي غريب وغيرها .
الرواية تصرخ فينا ، تصرخ بعقولنا التائهة ونحن نقلّب مشاهد الوجع العراقية المأساوية :
« أوقفوا مايجري في سورية بمخطط أميركي إسرائيلي بدعم من أنظمة عربية امتهنت التآمر على سورية:
ألم يدخلوا بغداد ، ألم يغتصبوا العراق كله بدعم ومباركة هؤلاء العربان الذين يتآمرون على سورية بتهيئة المناخات ليدخل الأميركان والصهاينة إلى دمشق ، من أجل أن تسبى نساء دمشق وأطفال دمشق ورجال دمشق وكرامة الأمة ، وليدخل هذا الصهيوني «هنري ليفي» إلى عاصمة العروبة كما دخل غوروا ليركل قبر صلاح الدين ، كما دخل طرابلس الغرب ، والقاهرة، وتونس .. لكنها دمشق ، ودمشق لاكغيرها من العواصم العربية .
تصرخ مها بطلة رواية «قبل الأبد برصاصة» :
« أغلقوا التلفاز» ، اغلقوا هذه الكذبة اللعينة التي تدور من بيت إلى بيت ».
ما الفرق بين بطلة الرواية العراقية وتلك الأم السورية أم « ساري » التي احتضنت ولدها المضرج بدمه ولم تزل ابتسامته الطفولية على شفتيه تبكيه ، تصرخ ، تتلمس دمه الساخن النازف برصاص القتلة ، لابد من أن القتلة غرباء، يتنكرون بزي الطائفة ، وبزي الثورة ، وبزي الدين ، لايمكن لهؤلاء القتلة أن يكونوا سوريين وأن يكونوا شربوا من العاصي ، أو تنسموا هواء حمص ، أو صلّوا في جامع خالد بن الوليد ذات يوم .
أتخيل في الرواية صوت مفتي الجمهورية « محمد بدر الدين حسون » يرثي ولده « سارية » والدمعة تقف في حنجرته قادمة من قلب مكلوم ـ يارب ـ قتله المجرمون ، اسمع أصوات أباء وأمهات وأبناء كل الشهداء في صوت هذا العراقي الذي وقف على أحد جسور بغداء ليغرق في البكاء ، وقبل أن ينسكب ضياء شمس بغداد في عينيه اندفع نحو الجنود الأميركيين الذين يتحرشون بالنساء والأطفال .
إنها الرواية الوحيدة التي تكتب مأساة العراق ، بل مأساة الأمة ..
اليوم... فرصتنا السانحة في سورية أن نفتح عيوننا على المشهد العراقي الدامي ، يخرج الأمريكيون اليوم من العراق ، وسيظل نهرا دجلة والفرات يبكيان هذا الدم العراقي الذي استباحه الأميركيون و الخونة العرب .، فرصتنا أن نفتح عقولنا على مايجري في العالم العربي من مآس ودم وقتل وتهديم .
وتنهض « مها» بطلة رواية إلى الأبد برصاصة « كما ينهض بطل « رواية «الربيع الأسود « لهنري ميللر ليقدم وصيته : « منذ تفتحت على الدنيا والصراصير تمنعني من النوم ، صراصير كم كل الأنواع والمقاسات والحجوم ، كان لابد من التحرش بإنسان ما للتحرر منها، الصراصير هي الحزن في عيون الأطفال ، الخناجر في أيدي القتلة ، المال المتراكم في البنوك ، اللصوص الذين يختبئون في دوائر الدولة ، مستنقعات الدم الممزوجة بالوحل ».
في المدن السورية من يحمل السلاح ليقتل كل يوم عدداً من أمثال ساري الذي أبكانا ، و سارية الذي أدمى قلوبنا وأغضبها ، و يغتصب النساء .
سأقول لكم كلاماً لم يقله الإعلام « إنهم يغتصبون في حمص وغير حمص حتى الرجال » .
على الإعلام أن يفتح فمه ويتكلم .. أو بالأحرى أن يفضح هؤلاء الذين يدجّلون على الله والوطن والناس .. كما يقول الكاتب الأميركي « جون شتيانبك:» كان ينبغي أن نعرف أنكم قتلة ، كان ينبغي ان نعرف أننا مرشحون أن نكون من ضحاياكم / كان ينبغي أن نكون ضدكم ، وأن نقاتلكم ، لاأن نبقى متفرجين مشاهدين».