تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نافذة .. لماذا يتجاهلونهم..؟!

آراء
الخميس 22-12-2011
سليم عبود

« ضاقت المقابر ، فجاءت الجرّافات ، وفتحت الخنادق ، وطمرت الأطفال والنساء والشيوخ في حفرة واحدة ، لاصلاة ، ولا شواهد ، ولا صلبان ، ولا أكفان ، في حفرة واحدة طوائف العراق ، أجناس، وقوميات متناحرة ، وأعمار متناثرة كأنها الورق ..... كان الجنود الأميركيون يتمازحون ويضحكون ، وشربوا نخب القبور الجماعية، ثم اندسوا في دباباتهم ومضوا.»

هذا مقطع صغير من رواية الكاتبة أنيسة عبود الأخيرة بعنوان‏

« قبل الأبد برصاصة ».‏

الصادرة حديثا عن دار الهلال المصرية التي احتفت بالكاتبة .‏

 « النعنع البري » رواية أخرى للكاتبة  فازت من قبل بجائزة  المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة عن الرواية العربية ، وهنا لابد من القول « إن من المحزن أن تكرّم الكاتبة ، أنيسة  عبود ، أو غيرها من الكتاب والأدباء  السوريين خارج سورية، وأن تقوم  دور النشر  العربية ، وغير العربية  بطباعة  أعمالهم ، وفي بلدنا  سورية المقاومة المناضلة  العروبية  لاتذكر  المؤسسات الثقافية حتى أسمائهم .. وبتعبير أدق  تتعمد تجاهلهم.‏

رواية أنيسة عبود  « قبل الأبد برصاصة « ‏

 اتسعت أصداؤها الأدبية  في شارع الثقافة المصري ،  وأثارت في نفسي كثيراً من الوجع والقلق والألم على العراق  ، تقول بطلة الرواية: لكن دورا سبقتني وقالت لقد ذبحوا أحمد العلي ، دخلوا منزله واغتصبوا زوجته أمامه ، وعندما صرخ متوجعاً أطلقوا النار عليه ومضوا» الصفحة 14 من الرواية .‏

بت أخشى أن ينسحب الوجع العراقي على العالم العربي ، و سورية الساحة  المرشحة ، لتدفع ثمن  هزيمة المشروع الأميركي الصهيوني في العراق وفي لبنان ، وغزة ، وفي المنطقة .‏

رواية «قبل الأبد برصاصة » ..  تقرع  الرؤوس  التي مازالت تحمل همّ  العروبة ، ولم تعد كثيرة  ، لتفتح فيها ثقوباً من  الوجع والخوف ،  لتقدم قوات المارينز كيف اغتصبوا العراق  بأرضه ونفطه وتاريخه وثقافته ورجاله ونسائه ، كيف اغتصبوا مها ، ودالية ، وسلمى ، و نساء كثيرات ، وأطفالاً كثيرين ،ورجالاً كثيرين في سجون أبي غريب وغيرها .‏

الرواية تصرخ فينا ، تصرخ بعقولنا  التائهة ونحن نقلّب  مشاهد الوجع العراقية المأساوية :‏

 « أوقفوا مايجري في سورية بمخطط أميركي إسرائيلي بدعم من أنظمة عربية امتهنت التآمر على سورية:‏

ألم يدخلوا بغداد ، ألم يغتصبوا العراق كله بدعم ومباركة  هؤلاء  العربان الذين يتآمرون على سورية بتهيئة المناخات ليدخل الأميركان والصهاينة  إلى دمشق ،  من أجل أن تسبى نساء دمشق وأطفال دمشق ورجال دمشق وكرامة الأمة  ، وليدخل هذا الصهيوني «هنري ليفي»  إلى عاصمة العروبة كما دخل غوروا ليركل قبر صلاح الدين ،  كما دخل  طرابلس الغرب ،  والقاهرة،  وتونس .. لكنها دمشق ، ودمشق  لاكغيرها من العواصم العربية .‏

تصرخ مها  بطلة رواية «قبل الأبد برصاصة» :‏

« أغلقوا التلفاز» ، اغلقوا هذه الكذبة  اللعينة التي تدور من بيت إلى بيت ».‏

ما الفرق بين بطلة الرواية العراقية وتلك الأم  السورية أم « ساري » التي احتضنت ولدها  المضرج بدمه ولم تزل ابتسامته الطفولية على شفتيه  تبكيه ، تصرخ ،  تتلمس دمه الساخن   النازف برصاص القتلة ، لابد  من أن القتلة غرباء، يتنكرون بزي الطائفة ، وبزي الثورة ، وبزي الدين ، لايمكن  لهؤلاء القتلة أن يكونوا  سوريين وأن يكونوا  شربوا من العاصي ، أو تنسموا هواء حمص ، أو صلّوا في جامع خالد بن الوليد  ذات يوم .‏

أتخيل في الرواية  صوت مفتي الجمهورية  « محمد بدر الدين حسون » يرثي ولده  « سارية » والدمعة تقف في حنجرته قادمة من قلب مكلوم ـ يارب ـ  قتله المجرمون ، اسمع أصوات أباء وأمهات وأبناء كل الشهداء  في صوت هذا العراقي الذي وقف على أحد جسور بغداء ليغرق في البكاء ، وقبل أن ينسكب ضياء  شمس بغداد في عينيه  اندفع نحو الجنود الأميركيين الذين يتحرشون بالنساء والأطفال .‏

إنها الرواية الوحيدة التي تكتب مأساة العراق ، بل مأساة الأمة ..‏

اليوم...  فرصتنا السانحة في سورية أن نفتح عيوننا على المشهد العراقي  الدامي ، يخرج الأمريكيون اليوم من العراق ، وسيظل نهرا دجلة والفرات  يبكيان هذا الدم العراقي الذي استباحه الأميركيون و الخونة العرب .، فرصتنا أن نفتح عقولنا على مايجري في العالم العربي من مآس ودم وقتل وتهديم .‏

وتنهض « مها»  بطلة رواية  إلى الأبد برصاصة « كما ينهض بطل « رواية «الربيع الأسود « لهنري ميللر  ليقدم وصيته : « منذ تفتحت على الدنيا والصراصير تمنعني من النوم ، صراصير كم كل الأنواع والمقاسات  والحجوم ، كان لابد من التحرش بإنسان ما للتحرر منها، الصراصير هي الحزن في عيون الأطفال ، الخناجر في أيدي القتلة ،  المال المتراكم في البنوك ، اللصوص الذين يختبئون في دوائر الدولة ، مستنقعات الدم الممزوجة بالوحل ».‏

في المدن السورية من يحمل السلاح ليقتل كل يوم عدداً من أمثال ساري الذي أبكانا  ، و سارية  الذي أدمى قلوبنا وأغضبها ، و يغتصب النساء .‏

سأقول لكم كلاماً لم يقله الإعلام « إنهم يغتصبون  في حمص وغير حمص حتى الرجال » .‏

على الإعلام أن يفتح فمه ويتكلم .. أو بالأحرى أن يفضح هؤلاء الذين يدجّلون على الله والوطن والناس .. كما يقول الكاتب الأميركي « جون شتيانبك:» كان ينبغي أن نعرف أنكم قتلة ، كان ينبغي ان نعرف أننا مرشحون أن نكون من ضحاياكم / كان ينبغي أن نكون ضدكم ، وأن نقاتلكم ، لاأن نبقى متفرجين مشاهدين».‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية