تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


السياسة الأميركية .. واللعب على الحدث !!

شؤون سياسية
الخميس8-11-2012
 محمد عبد الكريم مصطفى

من يُراقب التصريحات الأمريكية الأخيرة حول الجريمة الإرهابية الوحشية التي ارتكبتها مجموعة مسلحة في مدينة سراقب قرب إدلب بحق أسرى من الجيش العربي السوري غير مسلحين ،

يشعر كم هو حجم النفاق السياسي الذي تعتمده الإدارة الأمريكية في تقييمها للأحداث واستخدام معايير قاصرة تتناقض مع ذاتها ومع سياستها التي اعتمدتها منذ بداية الأزمة في سورية في عملية لعب على الأحداث والوقائع بما يتباين مع المسؤولية الأخلاقية التي تفرضها طبيعة القضية ، وعلى الرغم من شناعة الموقف وبشاعة الحدث من الناحية القانونية والأخلاقية والإنسانية ، كانت إدانة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مبتورة وباهتة وعامة ، لتمييع الموقف والهروب من المسؤولية المباشرة أمام جريمة دولية ترتكبها العصابات الإرهابية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ سافر وعلني ، وهذا ما يُعيدنا بالذاكرة إلى حروب قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية بحجة مُحاربة الإرهاب الدولي كانت ضحاياها بالملايين ودمرت خلالها دولا بعينها، وهنا تمتنع المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية عن تقديم إدانة صريحة لعمل إرهابي وحشي ، وبذلك تُعتبر الإدارة الأمريكية شريكا حقيقيا فيه ليس من خلال تقديم السلاح والمال للمجموعات الإرهابية فحسب ، بل بإرسال فرق الموت هذه تحت إشراف استخباراتي أمريكي مباشر في عملٍ مخالف لميثاق الأمم المتحدة ومتناقض مع كافة الشرائع والقوانين الدولية ، وهذا ما أكدته مواقع إعلامية مُقربة من الولايات المتحدة الأمريكية .‏

السؤال الذي يدور في الشارع بعد إثبات فشل جميع السيناريوهات التي أُعِّدت لسورية من قبل أمريكا وحلفائها في المعسكر الغربي وأدواتهم من الأعراب: هل سنلمس تغيراً جوهرياً في السياسة الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية في أمريكا ؟ وما هو الدليل على ذلك ؟‏

في حقيقة الأمر يُخطئ من يعتقد بأن السياسة الإستراتيجية الأمريكية يصوغها الرئيس المنتخب بمفرده ، أو أنه قادر على تغييرها كلياً بين ليلة وضحاها، أو من الممكن أن تتبدل السياسة المعتمدة حالياً مع بقاء الرئيس الحالي “ باراك حسين أوباما “ لفترة جديدة أو انتخاب خصمه الجمهوري “ ميت رومني “ ، لكن هذا لا يُلغي الدور الذي يُمكن أن يلعبه الرئيس في استثمار عامل الزمن والتكيف تكتيكيا مع هذه الخطة أو تلك بما يحفظ مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأساسيين وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني ، من هنا نستطيع أن نقبل ببعض إشارات التفاؤل الواردة من بعض المحللين أو الدبلوماسيين عن إيجاد فرصة ممكنة لطرح آلية مناسبة للحل السلمي في سورية مع نجاح الرئيس باراك أوباما لفترة رئاسية جديدة ، لاسيما بعد أن حقق الجيش العربي السوري الباسل وجوداً حاسماً لطبيعة المعركة على الأرض لا يُمكن تجاهله أو القفز فوقه وأثبت على مدى قرابة العامين من عمر الأزمة السورية قدرة فائقة في إدارة المعركة والسيطرة عليها بأقل عدد ممكن من أفراده ووحداته العسكرية المتخصصة ،وإن الأعمال الدقيقة التي نفذها الجيش العربي السوري جعلته ينال في الوقت ذاته احترام ومحبة الأهالي في كافة المناطق التي حررها من براثن العصابات الإرهابية ، وهذه رسالة واضحة المعالم قرأتها جيداً الإدارة الأمريكية وتبين لها بأن الجيش العربي السوري يُمثل الشعب السوري أطيافه كافة، ويعتبره الشعب السوري الضمانة الحقيقية لوحدة سورية تراباً وشعباً ، وبسبب هذه المعطيات وغيرها ستجد الإدارة الأمريكية الجديدة نفسها مُضطرة لتغيير قواعد اللعبة والقبول بأن الحوار تحت سقف الدولة السورية وقيادتها هو الحل الوحيد القابل للتطبيق في سورية ، وبالتالي عليها أن تدفع بأدواتها في المعارضات السورية المتباينة في النهج والفكر للمشاركة في الحوار الذي دعت إليه الحكومة السورية حتى لا يخرجوا من المولد بلا حُمص !‏

من جانبٍ آخر تبين للإدارة الأمريكية فشل سياسة التصعيد التي حاولوا تمريرها على الحدود مع تركيا لأن الحكمة في المعالجة من قبل السوريين أربكتهم وحالت دون تحقيق الغايات الخبيثة التي ابتغوها من وراء هذا التصعيد ، وهذا ما دفع رئيسة الدبلوماسية الأمريكية لدفن مجلس اسطنبول الذي أثبت عدم قدرته على تحقيق أي نجاح على الأرض بسبب عدم ارتباطه بأي مكون فاعل من مكونات الشعب السوري وبالتالي كان مجرد هيكل كرتوني مُصنع في غير مكانه الصحيح واقتصرت مهمته على الضخ الإعلامي الكاذب وتشويه الحقائق ، ومع كل هذا الحشد الهائل للطاقات المالية والفنية فشل معها مجلس العملاء في إيصال أي رسالة إعلامية فاعلة إلى الشارع السوري .‏

مهما حاولوا وبذلوا من جهود مضنية ، ورسموا أجندات جديدة لإنقاذ ما تبقى من هيبة أو دور للولايات المتحدة وشركائها في المعسكر المعادي لسورية لن يتمكنوا من ثني القيادة السورية عن مشروعها الإصلاحي الحقيقي الذي يتقدمه تحقيق الأمن والأمان للمواطن والوطن وهذا الذي يُريده الشعب السوري قبل كل شيء ، وإن المعارضة السورية مجتمعة أو متفرقة التي تدّعي الوطنية عليها أن تحمل في جعبتها طروحات وطنية وبرنامج عمل وطني فعلي تقدمه على طاولة الحوار و عندما يقبل به السوريون مهما كان لونه أو طبيعته فسيكون محط تقدير الشعب السوري ، وإن كل من أراد تخريب البنية النسيجية السورية بقصد إقامة نظام طائفي أو ديني متخلف هو واهم ويعيش في غير هذا الزمن وليس له مكان على الأرض السورية ، لأن سورية من البلدان القلائل التي تمتلك سجلاً حافلاً في بناء الحضارات عبر التاريخ القديم والحديث ، وقد حققت قفزات واسعة في مجال التواصل الحضاري وبناء الحضارات الحديثة على مدى العقود الخمسة الماضية ، وتُعد سورية من أهم الدول التي لديها دستور متطور وهيكلية مؤسساتية منسجمة مع متطلبات العصر الحديث في منطقة الشرق الأوسط.‏

Email:m.a.mustafa@mail.sy

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية