ولا بمفهوم التربية الوطنية التي اعتمدتها سورية على مدى سنوات، في هذا السياق ربما كان مفيداً التفكير بإنشاء مكتبة الحي على غرار مدرسة الحي ومسرح الحي, وإلى آخر هذه المنظومة الوطنية حفاظاً على نقاء الفكر واستقلاليته وخصوصاً لدى أطفال الجيل الحالي، قبل أن ينجرفوا في تيار تبني ما يشاع بينهم وفي أوساطهم عن أن الوطنية يمكن أن تتحقق باستخدام القوة وتحديداً بمواجهة السلطة المحلية بالسلاح وإشاعة الرعب بين الناس.
إن مكتبة الحي هي العتبة التي ستمكن أطفال الوطن كما ستمكن كل مواطن في بلدنا للوصول إلى المعرفة التي تنمي لديه شعوره بالانتماء إلى وطن له تاريخه وله حضارته التي يشهد بها كل من مر بربوعه وخرج بانطباع حقيقي أنه كان في بلد استثنائي بين بلدان العالم, وبالتالي لا يمكن أن تفقد ذاكرته البصرية يوماً جزءاً من معالمه, إن مكتبة الحي بهذا المعنى ستكون الرديف الفاعل والمؤثر وعلى المستويات المختلفة بدءاً من المرحلة الابتدائية حتى ما بعد المراحل العليا في سلم التعليم العالي، وهذا ما تؤكده الدراسات التي تضع الكتاب في مقدمة الوسائل التي تغذي الفكر بما ينفع، وخصوصاً عندما تكون الكتب منتقاة لأداء غرض تربوي سليم خال من التشوهات التي ترافق بعض البرامج الموجهة تجاه أطفال الوطن من قبل وسائل الإعلام المرئية تحديداً وذلك على غرار ما يقال عن وضع السم في الدسم.
إن وزارة التربية في سورية جديرة بل وقادرة على أن تتولى القيام بمثل هذه المهمة وعلى نحو خاص في ظرف يتعرض له بلدنا في الوقت الراهن، حيث العمل جار من الأطراف المعادية للنسيج العربي السوري بغية تمزيق اللحمة التي تجمع المواطن لا مع جاره فقط بل حتى مع أهل بيته، ومن هنا خطورة تخطي هذا الواجب الذي يترتب علينا جميعاً، مربين في بيوتنا أو في مدارسنا، تحمل مسؤولية حياله لأن تبعاته لا تقتصر فقط على زمن محدود ولا على مكان محدد بل تتعداهما إلى أبعد مما هو متصور إذا نحن أدركنا خطورة السكوت عما يخطط لأطفالنا وشبابنا في عمر المراهقة ليكونوا طعاماً لشهوات الذين يعملون على تقويض ما كان قد تحقق على المستويات المختلفة في ربوع وطننا سورية الصمود والتحدي والإصرار على إعادة ما دمر من معالم تخص الحجر والشجر وحتى البشر، وكانت إلى ما قبل عامين أو أكثر عنواناً لمجتمع لا يعرف غير المحبة والعطاء من أجل أن يؤكد انتماءه لمتطلبات المواطنة والوفاء للذات وللغير.
ربما من خلال الفكرة التي وددت أن أدعو إلى ترجمتها على أرض الواقع فكرة مكتبة الحي، بتخصيص ركن في مكتبات مدارس وزارة التربية المنتشرة في أحياء المدن السورية كافة لجهة استخدام محتوياتها من قبل سكان الحي كباراً وصغاراً، وبدعم من وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب على سبيل المثال ربما نستطيع أن نخفف من خطر طغيان الفكر الذي يسعى أصحابه من خلالها لتدمير بلدنا ثقافياً وإلى أمد يصعب على أحدنا أن يحدد أبعاده في مثل هذه الوقفة.
iskandarlouka@yahoo.com