ومن أسموهم ثواراً يدافعون عن الشعب تبين للقاصي والداني أنهم قتلة مجرمون تم إخضاعهم لدورات تدريبية واشتركوا في أعمال قتالية في أكثر من دولة بدءاً بأفغانستان ومرورا بالعراق وليبيا وغيرها، وعشاق الديمقراطية وحقوق الإنسان سرعان ما أميط اللثام عن وجوههم القبيحة ليظهروا على حقيقتهم الوهابية العفنة القائمة على القتل والذبح وتقطيع الأوصال وتعميم الفكر التكفيري الظلامي للعودة بسورية وبالمنطقة ليس إلى العصور الوسطى فحسب بل وإلى الجاهلية في مراحلها البدائية، وهذا ما يطرح العديد من التساؤلات الموضوعية والمشروعة،ومنها: ماذا لو لم تصمد الدولة السورية؟ وهل من قوة إقليمية أو دولية كان بإمكانها إخماد نار الإرهاب الممنهج لو أن رعاة الإرهاب وبناته وداعميه ومعتنقيه استطاعوا اجتياح الدولة السورية؟ وأين كانت عقول من يسوقون أنفسهم منظرين استراتيجيين في الدول المتنفذة على الساحة الدولية عندما زينوا لصناع القرار في تلك الدول جريمتهم النكراء في محاولة تفتيت دول المنطقة تحت عنوان الربيع المزعوم؟ واستطراداً لما تقدم من أسئلة ألا تتضمن المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها الأطراف المساهمة في تغذية الإرهاب الاعتراف قبل كل شيء بفداحة الأخطاء المرتكبة ومساءلة الحكومات والإدارات في تلك الدول من شعوبها على الأقل أمام الكم الهائل من الأخطار والتهديدات التي أفرزها غض البصر عن تجميع الإرهابيين من كل أصقاع الكون والزج بهم لتفتيت سورية تمهيدا لتفتيت بقية دول المنطقة وإحكام السيطرة على القرار الدولي لعقود قادمة؟
كثيرة هي التساؤلات التي أصبحت الأجوبة عليها اليوم واضحة، وكثيرة هي التساؤلات التي لاتزال الإجابة القاطعة عليها متعذرة لأسباب ذاتية وموضوعية، لكن في جميع الأحوال هناك جملة من الحقائق التي تبلورت ولم تعد تحتمل التشكيك ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- خطأ جميع الحسابات التي انطلقت من إمكانية إسقاط الدولة السورية في غضون أشهر قليلة إن لم يكن في غضون أسابيع، وهذا يعني خطأ كل ما تم بناؤه على تلك الحسابات جملة وتفصيلاً، وهذا الأمر ينسحب على جميع الأدوات والأطراف المتورطة بما حدث ويحدث في سورية بدءاً بواشنطن ومرورا بحلفائها الأطلسيين والإقليمين وليس انتهاء بممالك النفط والغاز الخليجي والأدوات التنفيذية من العصابات الإرهابية المأجورة المحلية منها والمستجلبة من الخارج بإشراف العديد من أجهزة الاستخبارات ذائعة الصيت والسمعة إقليمياً ودولياً.
- افتضاح الدور الخطير الذي مارسته امبراطوريات إعلامية كانت تكتسح العقول والنفوس، وانهيار كل ما له علاقة بالمهنية والمصداقية في تلك الإمبراطوريات القائمة على التلفيق والتضليل الممنهج استناداً لإنجازات ثورات الاتصال والسموات المفتوحة التي تبين أنها ليست أحادية الاتجاه في التأثير، بل إن الخطر الذي يتم تصديره عبر تلك البوابات قد يعود من المعابر نفسها التي كرست لعبوره على أمل عدم العودة.
- سقوط نظرية عجز الجيوش التقليدية عن مواجهة الإرهاب الممنهج عندما يعتمد حرب العصابات والشوارع لبسط سيطرته وضرب أسس الأمن والاستقرار وتقويض عوامل القوة الشاملة للدول التي يضربها، وبخاصة عندما يتم تجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين المرتزقة وإمدادهم بكل أنواع السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل وتأمين الغطاء الدبلوماسي والدعم اللوجستي بشكل أو بآخر، ومن حق الجيش العربي السوري أن يعتز ويفتخر بتحوله إلى أكاديمية عالمية لمواجهة الإرهاب المدعوم خارجياً والقضاء عليه.
- تآكل الدور الوظيفي لأكثر الدول الإقليمية نفوذاً وحضوراً، وبخاصة تركيا والمملكة العربية السعودية، مما أرغم حكام هاتين الدولتين على إسقاط كل الأقنعة دفعة واحدة ودعم الإرهاب المنظم علانية، ورفع مستويات التنسيق مع الكيان الصهيوني الذي أقيم أساساً ليكون مرتكز الإرهاب الكوني للحفاظ على مصالح القوى المتحكمة بالقرار الدولي.
- الصمود الأسطوري للدولة السورية شعباً وجيشاً وقائداً شجع القوى المحبة للسلام والحريصة على التقيد بالقانون الدولي على رفع مستوى الوقوف في وجه القوى التي تسعى لاستباحة القانون الدولي وانتهاك ميثاق المنظمة الدولية، وهذا بدوره ساهم في زيادة قدرة الدولة السورية على الصمود وتهشيم العمود الفقري للجسد الإرهابي الذي تم زجه في الداخل السوري.
- امتداد الحرب المفتوحة قرابة أربعة أعوام أدى إلى انهيار التحالفات التي أقيمت لتقويض الدولة السورية، وتقلص عدد الدول التي انساقت وراء «الطنبور» الأمريكي من مئة وثلاثين دولة إلى أقل من عشرة دول، والأشهر القليلة القادمة كفيلة بانكماش هذا العدد أكثر فأكثر بعد أن ثبت أن الإرهاب سيرتد على صانعيه وداعميه ومموليه، وأن خطره لا يمكن حصره في بقعة جغرافية محددة.
- كل ما حذرت منه الدولة السورية ، وكل ما نبهت إلى أخطاره تبين أنه صحيح وأن الحسابات الخاطئة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى تفاقم تلك الأخطاء وتضاعفها مع مرور الوقت، فها هو الإرهاب ينتقل إلى أكثر من دولة إقليمية وأوربية، وما حدث في فرنسا قد لا يعدو أن يكون ذوبان قمة رأس الجبل الجليدي الذي يحمل معه الويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يرتدع أصحاب الرؤوس الحامية عن غيهم، ويعيدوا حساباتهم انطلاقا من الواقعية السياسية والميدانية التي لا يمكن تجاهلها قط.
- بعيداً عن التهويل أو التهوين لاشك أن عجز الأطراف المشتركة في استهداف الدولة السورية عن تنفيذ مخططها الإجرامي قد ساهم بشكل أو بآخر بخلاص مصر من حكم الإخوان المسلمين وكذلك في تونس، كما راكم أوراق قوة إضافية في ميزان الجمهورية الإسلامية الإيرانية بخصوص ملفها النووي، وكان حافزاً موضوعياً لرفع السقف الروسي بخصوص شبه «القرم» وقبول عودتها إلى روسيا الفيدرالية، فضلاً عن الدور الريادي الذي أداه صمود الدولة السورية في فضح التبعية المطلقة لعدد من الدول الإقليمية للمايسترو الأمريكي ودورانها في الفلك الصهيوني، وقبل هذا وذاك كان بمثابة الأحماض التي ظهرت الإرهاب التكفيري على حقيقته ، وهذا ما شكل صدمة للوعي المجتمعي ليس في سورية وحسب بل في جميع دول المنطقة، ومن شأن هذه الصدمة أن تمنح الشعوب قدرة أكبر على تصحيح بوصلة الحكومات التي لم يعد بإمكانها تجاهل الأخطار التي يسببها تمدد الإرهاب وخروج العصابات الإرهابية على إرادة مشغليها الإقليميين والدوليين.
أمام هذه الحقائق وغيرها يمكن القول: إن الاصطفافات الجيوبوليتكية التي خلفتها أعاصير الربيع العربي المزعوم تعيش اليوم حالة من التأرجح وإعادة التموضع الكفيل بتهيئة البيئة الاستراتيجية المطلوبة داخلياً وإقليمياً ودولياً لبلورة حل سياسي يضمن سيادة الدولة السورية على كامل جغرافيتها، ولا يسقط من الحسابات ضمان الاستدارة الحتمية للقاطرة الأمريكية التي قد تتأخر لاعتبارات عدة، وهذا يعني تساقط العديد من الأنظمة المترهلة التي استنفدت فرص إثبات صلاحيتها للاستمرار بأداء الأدوار الوظيفية المشبوهة، ولن يطول الزمن الذي نرى فيه عواصم القرار الأطلسي تتقاطر لفتح سفاراتها في دمشق ليس من منطلق أخلاقي يستند إلى محبة السوريين أو الرأفة بهم، بل لضمان التعاون الأمني بعد أن تحولت المؤسسات الرسمية السورية إلى بنوك معلومات لا غنى عنها لمن يود بحق محاربة الإرهاب وتجنب تهديداته وأخطاره التي لا تستثني من شرورها وكوارثها وويلاتها أحداً قط.