كانت حياة صليبا حافلة بالعمل ، غنية بالثمار الطيبة ، ملئت جدا و نشاطا، تعلما و تعليما، بذلا و عطاء ، و تنقسم إلى مراحل خمس كما قسمها الدكتور عبد الكريم زهور .
أولها مرحلة الطلب بدأ فيها صليبا دراسته في المدرسة الآسية ثم في المكتب السلطاني العثماني ثم في مكتب عنبر ، تأثر في هذه المرحلة بعاملين مهمين هما جو التسامح و التعاون و العلاقات الطيبة بين ابناء المسلمين و المسيحيين في المنطقة التي كان يدرس فيها ، و العامل الثاني هو اساتذته في مكتب عنبر المشهود لهم بالعلم و الوطنية و مكارم الاخلاق .
حصل على الدكتوراه في الفلسفة عام 1926 من جامعة السوربون فمان او عربي سوري يحمل هذه الشهادة .
أما في مرحلة التدريس فقد عين مدرسا لمادة الفلسفة في مكتب عنبر و مدارس الآسية و صار مديرا عاما لها ، و في هذه الفترة ألف كتابي ( علم النفس، المنطق) و غيرها من نصوص الفلسفة العربية ، و في مرحلة الادارة عين مديرا للتعليم الثانوي و الفني و الاكمالي و مديرا لدار المعلمين و أمينا عاما لوزارة المعارف ، و وضع الكثير من البرامج و الانظمة التعليمية و ألف كتاب ( مستقبل التربية في الشرق العربي) .
و في المرحلة الجامعية عين عميدا للمعهد العالي للمعلمين في كلية التربية ، كما عين نائما لرئيس الجامعة السورية في العام 1958 ، حيث برزت شخصية صليبا العالم و الباحث و الاستاذ المحاضر .
و عندما احيل على المعاش نقل سكنه و نشاطه إلى بيروت و حاضر في المركز الاقليمي لليونسكو في بيروت و في الجامعة اللبنانية و في معهد البحوث و الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، و الف في هذه المرحلة كتاب " مستقبل التربية" الذي ضمنه حصيلة جهوده في ميدان التربية ادارة و تدريسا ، و كتاب " الانتاج الفلسفي" و فيه خلاصة اطلاعه و رأيه في انتاج معاصريه من المفكرين و الدارسين في ميدان الفلسفة و العديد من الكتب كان اشهرها " المعجم الفلسفي" .
و من المحطات الهامة في حياته عضويته في المجمع العلمي العربي ، و قد طلبت لجنة اعمال المجمعيين الاوائل في مجمع اللغة العربية في دمشق إلى الأديبة مهاة فرح الخوري باعداد كتاب عن حياة الدكتور جميل صليبا فألفت كتاب بعنوان " الدكتور جميل صليبا ... رائد الفلسفة العربية المعاصرة" و قد استطاعت الكاتبة أن تصور لنا سيرة صليبا تصويرا يبرز مكانة هذا العالم الجليل و اخلاقه و اوصافه بأسلوبها الجميل المعهود، المشحون حينا بعد حين بعواطف جياشة فرضتها صداقة حميمة جمعت أسرة صليبا و أسرة الخوري ، حيث عرضت آثار صليبا عرضا مفصلا و أوردت منها مقتطفات دللت فيها على علو شأنه في اللغة و الفلسفة على حد سواء و أبرزت بعض آرائه و منطلقاته الفكرية و من ذلك أنها نقلت أقوالا لعلماء و أدباء و مفكرين أشادوا بالدكتور صليبا و انتاجه و بمكانته العلمية و قيمه الاخلاقية ، و من ذلك أنها اثبتت جميع الكلمات التي القيت في حفل تأبين صليبا ، و هذه الكلمات اسهمت إلى حد كبير في تحليل شخصية الدكتور صليبا كاتبا و مترجما و باحثا و مفكرا و مؤلفا و اداريا و صديقا و زميلا و أبا ، حيث تحدث في هذا الحفل ثمانية من العلماء الذين كانت تربطهم بالدكتور صليبا روابط الصداقة و العمل و التلمذة و النسب ، حيث أدلى كل منهم بدلوه في رسم صورة متكاملة عم شخصية صليبا و أخلاقه و علمه .
ضم كتاب مهاة فرح الخوري في الفصل الأول حياة جميل صليبا و أهم المحطات في حياته أما الفصل الثاني فقد خصصته لآثاره الفلسفية و الفكرية و الادبية من مؤلفات و ترجمات و مقالات كان قد نشرها الدكتور في أكثر من مطبوعة ثقافية ، أما الفصل الثالث فقد خصص لمقتطفات من آثار جميل صليبا من مثل ديوان خليل مردم بك و غير ذلك ، أما في الفصل الرابع فقد كان مخصصا لأقلام أصدقائه و محبيه و هي أقوال و شهادات من علماء و أدباء و مفكرين بالدكتور صليبا منهم شاكر الفحام ، عبد الكريم زهور ، شحادة الخوري ، الياس انطون و غيرهم ، و خصصت الفصل الخامس لوقائع حفل التأبين و ضم شهادات صادقة و صريحة بالفيلسوف الكبير و العلامة صليبا و منهم الدكتور محمد الفاضل ،الدكتور قسطنطين زريق ، الدكتور ابراهيم مدكور و حافظ الجمالي و الدكتور كامل عياد .
و ختامها مسك قصيدة للشاعر أحمد الجندي نذكر منها:
إيه استاذنا و قد غبت عنا و غياب الرجال أدهى مصاب
كل شيء يهون في العيش لولا ذكريات تعيد موت الصحاب
لا تقل إننا نسيناك كلا إننا ذاكرون عهد الطلاب
كل خلق يزول إلا عظيما عاش للدرس و الحجى
كتاب الدكتور جميل صليبا " رائد الفلسفة العربية المعاصرة" تاليف مهاة فرح الخوري، مطبوعات مجمع اللغة العربية في دمشق ، 1435 هجري - 2014 ميلادي .