تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


.. وتبخرت أحلام بوش

دراسات
الخميس 7/8/2008
غالب حسن محمد

لما كان الفشل قد لحق بالمفاوضات العراقية حول اتفاقية أمنية طويلة الأمد كان لا بد من تزاحم المواقف والتصريحات في شأن الاتفاق الأمني المزمع توقيعه بين الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية.

فقد رأينا تصريح رئيس الوزراء العراقي وللمرة الأولى حول»جلاء« القوات الأجنبية هذا الموقف الذي استمده من المتغيرات السياسية في واشنطن إضافة إلى المتغيرات على الساحة العراقية-الأمنية خاصة.في مقابل حديث داخل الإدارة الأمريكية عن استمرار المفاوضات,وفيما تنقلب فلسفة توقيت المعاهدة التي اقترنت بمتغيرات سياسية كبيرة في النصف الثاني من هذا العام تنقلب معها صيغة الاتفاق إلى »مذكرة تفاهم« قصيرة الأمد تحيل توقيع »الاتفاق الدائم« إلى الإدارة الأمريكية القادمة .‏

لقد سبقت تصريحات رئيس الوزارء العراقي عن »جدولة الانسحاب« أو»جلاء« القوات الأمريكية مقدمات كثيرة,وسبقتها قراءة واقعية لمتغيرات جوهرية تحدث في الولايات المتحدة,بدأ الكثيرون مقارنتها بمتغيرات ما بعد الحرب الفيتنامية.‏

رئيس أمريكي في أدنى مستويات شعبيته لم تثبت سياساته واستراتيجيته إلا سوء إدارة وسوء قراءة وسوء تقدير لا يمكن منحه نصراً ولو رمزياً وإن الطريق الوحيد هو الهجوم على الكبش المتهاوي قبل ابتلاعه على يد الديمقراطيين .‏

وقد جاءت زيارة المرشح الديمقراطي-باراك أوباما-إلى العراق ولقاؤه مجموعة من المسؤولين العراقيين ضمن هذا الإطار وإن لم تأخذ الاهتمام الكافي.‏

فهل قرر العراقيون المشاركة في »دوامة« الانتخابات الأمريكية بموقف ربما سارع أوباما إلى اعتباره منسجماً مع مواقفه الداعية إلى جدولة الانسحاب?‏

وهل من باب المصادفة أن تمنح التصريحات العراقية دفعاً جديداً للمرشح الديمقراطي فيما تظهر فشل سياسات الجمهوريين ومراهناتهم على حلفاء قديمين في العراق يمكن أن يوقعوا على »صك الاستسلام«الطويل الأمد.‏

لكن هناك مفارقة بين تصريحات المرشح الديمقراطي أوباما الذي أعلن تأييده لانسحاب القسم الأكبر من القوات الأمريكية من العراق حتى عام/2010/وأشار في الوقت نفسه إلى رغبته في الاحتفاظ بقوة لفترة غير محدودة بحجة محاربة تنظيم القاعدة على أرض الرافدين.‏

الأمر الذي اعتبر مقلقاً إلى حد ما,كما أنه يكشف عن مخطط لإبقاء قوة عسكرية أمريكية هدفها المعلن»ملاحقة عناصر القاعدة«.‏

في المقابل يذهب البعض للحديث عن توقيت عراقي في الحديث عن »جدولة الانسحاب« يتعلق بالانتخابات العراقية المحلية,والتي لا تقل خطورة في جوهرها عن انتخابات البرلمان كجهة تحديدها شكل الحكم المقبل في أهم المدن العراقية,وحسمها قضية تشكيل الإقليم الجديدة.‏

وهنا نلاحظ التداخل في الموقف الإقليمي بقوة في صميم الرؤية العراقية ,حيث يظهر المخاوف الإيرانية من تحول العراق إلى قاعدة اعتداء أمريكي على طهران .‏

وفيما يتعلق ب»الجدولة« و»الجلاء« فقد أظهر تصريح رئيس الوزراء العراقي دلالات التصعيد,واستخدامه مصطلح الجلاء وكانت له أهمية كبرى في إرسال دلالات متنوعة عبر رسالة واضحة حيث كان من الواضح أنها وجهت إلى الشارع العراقي والعربي بالمعنى الحرفي لكلمة»الجلاء« فيما وجهت إلى الإدارة الأمريكية بمعنى»الانسحاب الكامل« ولكن متغيرات حدثت جعلت الموقف العراقي ومطالبه تنخفض إلى البحث في أفق زمني غير ملزم للانسحاب الأمريكي وهو أمركان الحديث عنه سابقاً على مايبدو لما ظهر وكأنه خلاف في وجهات النظر بين الجانبين.‏

إن الوثيقة الثانية الخاصة ب»القوات الأمريكية ووضعها« والتي يفترض أنها تنظم تواجد هذه القوات على الأراضي العراقية وآلية هذا التواجد والصلاحيات المتبادلة كانت قد أجلت إلى المرحلة النهائية وكان متوقعاً لها أن تثير زوبعة سياسية وشعبية داخل العراق.‏

هذا الوضع ذهب بالإدارة الأمريكية إلى افتعال أزمة »الجدولة الزمنية« لأغراض تفاوضية.‏

في الواقع جاءت مطالب المفاوض الأمريكي عبر مسودة تضم سقوفاً مرتفعة للمطالب الأمريكية شملت-حصانة الجنود والشركات الأمريكية-السيطرة على الأجواء العراقية-حق الدهم وشن العمليات والاعتقال بمعزل عن السلطات العراقية ,إضافة إلى انتشار القواعد الأمريكية على الأراضي العراقية,فيما لم تضم هذه المسودة تعهداً عن عدم استخدام هذه القواعد في شن هجمات على دول أخرى كما أنها لم تلزم الولايات المتحدة بإخراج العراق من البند السابع من القانون الدولي .سياسيون عراقيون لفتوا إلى أن جملة عوامل ساهمت في تراجع الإدارة الأمريكية عن تزمتها في شأن قضية الانسحاب و»السماح« بطرح أفكار تتمحور بمجملها حول إنهاء الوجود الأمريكي في العراق , فالإدارة الحالية ومن خلفها طبقة المحافظين الجدد لن تسمح بكل الأحوال للمرشح الديمقراطي باستخدام أفكاره حول الانسحاب من العراق لمصلحته في الانتخابات ,وتحييد القضية العراقية على مجمل الصراع الانتخابي يصب في مصلحة المرشح الجمهوري.‏

فالحصول على نص الاتفاق قبل انتهاء ولاية بوش يسمح بتحويل أي حديث عن فشل السياسة الأمريكية إلى الحديث عن »نصر« مبادرة الكونغرس إلى المطالبة بعرض الاتفاق عليه في نطاق تنازع الصلاحيات بين رئيس فاقد لشعبيته ومجلس نواب تقوده المعارضة شجع الحديث عن »مذكرة تفاهم« ,لا تلزم الإدارة بتقديمها إلى الكونغرس وليست »معاهدة« أو »اتفاقية« استراتيجية بالمعنى القانوني للمصطلح.‏

والواضح أن الحديث الذي تشير إليه مصادر مختلفة لا يضم جدولة زمنية موضوعية للانسحاب من الأراضي العراقية بقدر وضعه آلية لمفاوضات مقبلة حول الانسحاب تبدأ عام -2010-ويتوقع أن تنتهي في عام -2013- .‏

لكن الثابت في هذه المحصلة أن الرؤية العراقية السياسية للانسحاب الأمريكي الكامل من العراق تختلف بصورة جوهرية عن الرؤية الأمريكية التي يطرحها الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية