|
رغم أنه قد يدعمها بأكثر من 23 مليار ليرة ...التعديلات الجديدة لقانون السير لاتستهدف رفد الخزينة بالغرامات اقتصاديات كما أنها لاتغيّر شيئا من مبدأ حرص المُشرّع على حماية المواطن عبر التخفيف من الحوادث المرورية التي بالفعل قد وصلت إلى درجة من الخطورة لايمكن السكوت عنها , ففي عام 2007 تعرّضت 45638 مركبة وسيارة إلى حوادث مرورية راح ضحيتها 2818 شخصاً فيما أصيب 16145 آخرين بجروح وكسور مختلفة , وقد توزعت أسباب هذه الحوادث بين السرعة الزائدة وعدم التقيد بإشارات المرور , وسوء الإطارات , بالإضافة إلى الأعطال المفاجئة , ومن الأسباب أيضاً الدوران غير النظامي , والتجاوز المخالف , وتأثير النعاس والكحول على السائقين , والسير باتجاه معاكس , وعدم صلاحية الأنوار والمكابح , والتوقف غير النظامي . والواقع فإنَّ المتغيرات التي طرأت في زيادة عدد السيارات والسائقين فعلاً نتج عنها ذلك الإرتفاع في عدد الحوادث الحاصلة والخسائر البشرية والمادية الناجمة عنها فكان من الطبيعي إعادة النظر في بعض نصوص قانون السير والمركبات بما يلزم السائقين بالتقيد بقواعد السير وعدم ارتكابهم للمخالفات , وذلك من خلال التشدد في الغرامات المادية والعقوبات الرادعة بحق المخالفين , ما يسهم في دفعهم لعدم تكرار مخالفاتهم وبالتالي التخفيف من الحوادث التي قد تحدث نتيجة هذه المخالفات. في الواقع لاأنكر أنّ رغبتي في البداية كانت تتركز حول تناول القانون الجديد بالنقد , وذلك لكثرة ماسمعتُ حوله من مآخذ وانتقادات , ولاسيما لجهة أنَّ الدولة لم تستهدف من وراء هذا القانون , تحسين وضع الحالة المرورية , أكثر مماتستهدف زيادة الواردات إلى الخزينة وعلى حساب السائقين , الذين سوف يقعون بموجب هذا القانون تحت رحمة عناصر شرطة المرور , التي ستقوم تلقائياً بحجب تلك الواردات عن الخزينة .. هذا الكلام الذي أظهر بعض السائقين وكأنهم - بموجب هذا القانون - لن يكونوا أكثر من ضحايا لشرطة المرور , التي سوف تستهدف مداخيلهم , فتتهتك اقتصادياتهم , وتبقى الحالة المرورية كما هي , وربما أسوأ مما هي عليه الآن , غير أنّ الكلام المتجه بهذا المنحى , ليس صحيحاً , فتشديد العقوبات الواردة في تعديلات القانون على كبائر المخالفات , وعلى المخالفات الأخرى , قد جاءت في مكانها تماماً , لأنَّ مايجري على الأرض من مخالفات وتجاوزات واستهتار لم يعد مقبولاً على الإطلاق . إنّ أقسى العقوبات , وأقصاها , هي الحبس من ثلاثة أشهر وحتى السنة , وغرامة من خمسين ألف وحتى مائة ألف ليرة , بالإضافة إلى وقف العمل بإجازة السوق لمدة سنتين , تبدأ من تاريخ تنفيذ الحكم المبرم , ولكن هذه العقوبات كلها لاتحصل إلا إذا تسبب السائق أثناء قيادة السيارة , بوفاة إنسان , أو إحداث عاهة دائمة , ولكن عندما يكون ذلك ناجماً عن ارتكاب إحدى مخالفات السير , مايعني أن وقوع الوفاة , وإحداث العاهة بحالة القضاء والقدر , ودون وقوع مخالفة , فإنّ الوضع سيختلف , والواضح أنّ ثمة محكمة سوف تبتُّ بهذا الموضوع , مايعني أن هناك دلائل وقرائن يستند إليها الحكم . كما أن هناك عقوبات بدت وكأنها باهظة , كعقوبة الحبس من شهر وحتى ثلاثة أشهر , وبغرامة مقدارها 25 ألف ليرة سورية , ولكنها في حقيقة الأمر ليست باهظة , لأنّ كل سائق بإمكانه أن يُجَنّب نفسه الوقوع فيها , باعتبارها تركز على المخالفات المتعمدة , وشديدة الخطورة , كعدم الوقوف في حالة ارتكاب حادث , أدى إلى وقوع أضرار جسدية , وكسوق المركبة قبل الحصول على إجازة سوق , وكذلك سوق المركبة في حالة السكر البين , والقيادة بعكس اتجاه السير على الأوتوسترادات والطرق الخارجية , وبالمناسبة فإنّ هذه الظاهرة من الظواهر الآخذة بالانتشار كثيراً , وفي الكثير من مواقع الأوتسترادات يمكن تسجيل العديد من المركبات التي تسير بعكس اتجاه السير , وهي تشكل رعباً حقيقياً , وتجعل الموقف مرشح لوقوع المزيد من الخسائر البشرية والمادية . وبعد هذين الصنفين من المخالفات , تتدرّج الغرامات الجديدة من 15 ألف ليرة , وحتى مستوى 200 ليرة سورية , وذلك تبعاً لجثامة المخالفة فعلاً , وبكل الأحوال فهناك 12 مستوى لمختلف أصناف الغرامات , هي : /100 /ألف و 50 ألفاً و 25 الفاً و 15 ألفاً و 10 آلاف و 7 آلاف و 5 آلاف و 4 آلاف وألفان , ثم ألف ليرة سورية , لتتدرج هبوطاً بعد ذلك إلى الخمسمائة ليرة , فالمائتي ليرة , ويمكننا بذلك - ولو نظرياً - أن نحسب وسطي المخالفة , حيث يصل إلى حدود 18308 ليرات سورية , وباعتبار أنه قد تمّ في عام 2007 تنظيم 2 مليون , و 560 ألفاً و 355 مخالفة سير مرتكبة , فإنّ حجم الغرامات سوف يصل وسطياً إلى 46 ملياراً , و 874 مليوناً , و 979 ألفاً , و 340 ليرة سورية , إن استمرت المخالفات بهذا الحجم , ولنفترض أنّ عقلاء الناس قد ارتدعوا , فانخفض حجم المخالفات إلى النصف , هذا يعني أن القانون الجديد سوف يحصد سنوياً مالا يقل عن 23.5مليار ليرة سورية وهذا رقم محرز أيضاً يمكن للدولة أن تقيم فيه العديد من المشاريع التنموية الضخمة , لذلك فليكن الهدف من هذا القانون , التخفيف من الحوادث المرورية , وحماية المواطنين , ولكن ليس معيباً على الإطلاق أن يتلازم مع ذلك هدف آخر هو رفد الخزينة فعلاً على حساب الشريحة الرعناء في هذا المجتمع , ولتنافسهم الدولة في رعونتهم هذه , فهم يُقدمون ماعندهم من رعونة وتجاوزات , والدولة تُقدّم ماعندها من مشاريع التنمية . في الواقع لم نَرَ أية مشكلة في هذا القانون , من حيث مفاهيمه وأدبياته وأهدافه وأسبابه الموجبة , فهو ضروري , وأكثر من ضروري , ولكن المشكلة التي يمكن أن تبرز هي في آلية التطبيق المرتقبة من قبل عناصر الشرطة فعلاً , فهل سيكون التطبيق دقيقاً منصفاً وعادلاً ..?! المسألة ليست بهذه السهولة , ولن تكون - على الأرجح هكذا بسيطة , فوزارة الداخلية منهمكة منذ صدور المرسوم التشريعي رقم 11 في الثلاثين من كانون الثاني الماضي , وإلى الآن , بتدريب وتأهيل عناصر الشرطة , الذين سوف يستلمون الميدان , بل وبتحذيرهم أيضاً , ليكونوا قدوة حسنة , في تطبيق هذا المرسوم المُعَدِّل لقانون السير , ونعتقد أنّ مفاهيم شرطة مرور اليوم , وسلوكياتها , سوف تختلف كلياً , أو على الأقل كثيراً , عن الشرطة التي ستبدأ عملها في الثالث عشر من شهر أيار القادم , وبعد تسعة أيام فقط من يوم المرور العالمي , حيث سينطلق بعدها التطبيق العملي للتعديلات الجديدة . ali.gdeed@gmail.com
|