تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


د. علي القيّم :رسالة المثقف بين التحدي والاستجابة

ثقافة
الاثنين 25-11-2013
فاتن دعبول

الثقافة في ظل الأزمة، يجب أن تعي بوضوح دور المثقف ، وتجديد المجتمع، وتكزية الطاقات وتنمية دورها في الفعل والحث على العمل، وفق قول أرسطو: «إن غاية حياة النخبة كيفية عمل، وكيفية وجود معاً ، إذ لا منجى للنخبة من أن تكون قدوة في الحياة للسمو بالحياة»

إن مهمة المثقف في ظل الأزمة نشر الثقافة والوعي بين الناس على أوسع نطاق، والقيام بإرشادهم الى السيطرة على ظروفهم غير الملائمة وتحريرهم من المشاكلات والأفكار التي تجعلهم غير قادرين على النمو والتغيير والحركة والتطور، وأن تجعلهم يحسّون بدورهم التاريخي في بناء وطنهم، ويبتعدون عن اليأس، مهما أدمت الهموم الأفئدة، وأن يبحثوا عن العلاج الذي يشفيها..‏‏

للنخبة المثقفة دورها وتأثيرها الشديد في بناء شخصية المواطن من جانبين: جانب الفعل، وجانب القدوة.. وهذه سمات ينبغي أن تتسم بها شخصية المثقف الذي يتلاقى فيها مستقبل الوطن بكل مافيه من قيم ورؤى وآمال ووجود.. يقول المفكر الفرنسي أندريه جيد: «إمكانات عجيبة في كل إنسان ، وواجب المثقف ، إنماء هذه الإمكانات ، وإتاحة الفرصة لها لأداء عملها من أجل خير المجتمع وسعادته!.. واجب المثقف تعليم المواطن كيف يعيش حياة كريمة وكيف يسعى الى تطوير هذه الحياة، والى التذكير بأن الفضيلة وحدها هي أساس النبل ودعامته.. ».‏‏

أجل.. إن الثقافة وسيلة، أما الغاية فهي العمل من أجل تحقيق ماهية هذه الثقافة، وتأكيد ذاتها وهذا يستلزم كفاحاً دؤوباً ، يقتضي تكاتفاً ووئاماً وتضامناً من أجل التغيير الذي هو شرط من شروط التقدم والرقي، وهذا لن يتم إلا من استشراف آفاق المستقبل، الذي منه ينبثق الوجود والإدارة، مبتعدين عن شكّنا في قدرتنا على العطاء ، والفعل والتطور والتغلب على الصعاب وظروف الأزمة التي ألمت بنا ..‏‏

لاشك بأن الثقافة في بلدنا قد تأثرت كثيراً بالظروف والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكننا التصدي للتحديات التي نمر بها ثقافياً ، هذا يمكن أن يتم ضمن بعض الشروط:‏‏

أولها: الاعتراف بحق الأفراد ، وبخاصة المستغلين بأمور الثقافة بحرية التفكير وحق التعبير عن آرائهم وأفكارهم دون فرض قيود أو رقابة.‏‏

ثانيها: الحرية في التفكير من شأنها أن تفتح أمام الثقافة مجالات واسعة للاتصال والاحتكاك بالثقافات الأخرى ...‏‏

ثالثها: إعادة النظر في تاريخنا الثقافي وأسلوب معالجته وعرضه، فالتاريخ الثقافي لا يزال يلعب دوراً مهماً في تشكيل الفكر العربي المعاصر ويفرض نفسه على المشكلات الثقافية المعاصرة ، بحيث لايكاد العقل العربي ينظر الى أي مشكلة من هذه المشكلات التي تتصل اتصالاً وثيقاً بالواقع الراهن إلا ويحاول ربطها بالماضي، والنظر اليها في ضوء ذلك الماضي ، وبحيث أصبحت العقلية العربية توصف بأنها عقلية( ماضوية ) وأن تاريخنا تاريخ ممزق، والوعي الذي نكتسبه من التعامل معه يكرّس في وعينا نفس التمزق في حاضرنا، فيتواطأ الاثنان: الماضي والحاضر في تعتيم رؤيتنا للمستقبل .‏‏

في ظل الأزمة، أصبحت ثقافة الخوف، متأصلة في كثير من جوانب حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. الخوف من الآخر..‏‏

الخوف من المستقبل ، الخوف من إبداء الرأي.. الخوف من الغلاء والحروب والويلات .. الخوف من العنف والخطف ، والهاون والقذائف التي لم ترحم أحداً.. لقد جعل النظام العالمي «العولمي» من ثقافة الخوف تهديداً حقيقياً لمستقبل الإنسان في بلدنا وفي كثير من دول العالم، حيث يسيطر على هذه الثقافة تغييب الوعي بالذات والآخر .‏‏

وغياب البعد الأخلاقي في التعامل مع إنسانية الإنسان ، والانطواء على الذات، والانعزال عن العالم والهرب الى التاريخ، والدوران في الدائرة المفرغة العقيمة.. وهنا يبرز دور المثقف للخروج من هذا الواقع المرير، الصعب ، المتأزم ... يجب عليه أن يعود الى التاريخ يدرسه ، ويستخرج الأحكام والنظريات من تجارب الأمم ، ومن خلالها يستطيع أن يبدع فكراًجديداً واسع المدى، يخلصنا مما نحن فيه.. فساد الأخلاق أوصلنا الى الطريق المسدود،والى الحالة التي نحن عليها.. وأقولها واثقاً ، إن الأخلاق الحميدة، كانت وراء جميع المنجزات الحضارية التي قام بها العرب خلال التاريخ، فجميع الحضارات التي قامت في أرضنا، من سومرية وآكادية وكنعانية وبابلية وعمورية، وآرامية وتدمرية وفرعونية ويمنية وإسلامية ، هي حضارات أخلاقية ، الكلمة فيها كان لها فعل السحر .‏‏

الأمر لن يكون سهلاً ، وعلينا ألا نظن أن كل ما أنتجته الأزمة من مشكلات ونكبات وتحاملات ورهاب ، سوف يختفي بمجرد الرغبة بالحوار مع الآخر ، أو الرغبة في تغيير واقعنا المرير الذي نعاني منه كثيراً .. إن عدم الثقة شائع، والشك منتشر كثيراً ، والتراكمات كثيرة، ولكن لابدمن المحاولة والعمل على تغيير الحالة التي نعيشها، ووضعنا أنفسنا فيها، ووضعونا فيها، ولابدّ من العمل بقوة على تغيير الصورة المتردية التي صوروها عنا ولابد من دور كبير للمثقف في كل هذا وذاك.‏‏

لقد عالج المؤرخ البريطاني الشهير كوميني في كتبه وآرائه ونظرياته مشكلات كثيرة مرت بها الشعوب والأمم والحضارات، وخلص إلى نظرية «التحدي والاستجابة» التي يمكن أن تكون خير مرشد لنا إلى الطريق المؤدية إلى مستقبل أفضل.‏‏

‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية