تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هــــــــل تكــــــــون المنقــــــــذ القـــــــــــادم.. ؟

ثقافة
الاثنين 25-11-2013
 سجيع قرقماز

كيف يستطيع الإنسان أن يعيش في مجتمع ٍ ما، وكيف السبيل إلى ذلك ؟ وهل يمكن له أن يتواصل مع الناس، وما هي الأدوات اللازمة لهذا التواصل ؟

الحياة،ذلك اللغز الكبير، ليست بهذه السهولة التي تجعلنا نحياها مجتمعين،وفي ذات الوقت ليست بتلك التعقيد،إذا أردنا أن نحياها متفاهمين، منسجمين في كل ٍ واحد ٍ،يقدم الفرد للجميع، ويقابل الجميع تقدمة الفرد، ليؤدي هذا التعاون المشترك - في الحقوق والواجبات - إلى قيام مجتمع ٍ ربما نحلم فيه، ونتخيله، بينما هو في الواقع بعيد ٌ عنا، وعن التحقق.‏

السؤال الأهم:ما هي المواصفات اللازمة للعيش المشترك، وما هي الشروط الواجبة، وبالتالي،والأهم الميزات الفردية والمجتمعية الممكن إيجاد قواسم مشتركة ٍ لها كي تجعل الحياة الاجتماعية ممكنة؟‏

قبل أن نتوغل أكثر في الأفكار الشائكة المتعلقة بأسئلة الثقافة الراهنة، لنتعرف على بعض التجارب:‏

الغنى الثقافي‏

في لقاء ٍ تلفزيوني ٍ مع عمدة إحدى المدن الأوروبية المتطورة، حول التنوع العرقي والثقافي في هذه المدينة، ومن ثم كيفية التفاهم والانسجام بين أفراد مجتمعها، يؤكد العمدة أن: «الغنى والتنوع الثقافي هو ما يميز العلاقة بين أهل المدينة، لذلك حلت معظم المشكلات التي يعاني،أو قد يعاني منها الآخرون في المدن الأخرى، خاصة ً أن مدينتنا كانت من أول المدن التي أكدت قوانينها على أهمية الفرد، وقيمة الفرد،ومسؤولية الفرد، بغض النظر عن (أصله، لونه، عرقه، دينه)، مما أعطى الفرد في المدينة حقوقا ً واضحة ً ومعروفة ً، وحمله مسؤوليات ٍ وواجبات ٍ محددة ً ومعروفة ً أيضا ً. أضف إلى ذلك أن التمييز بين أفراد المجتمع من حيث الوضع الاجتماعي، الديني، أو العرقي غير موجود ٍ على الإطلاق، مما يعني دمج كل ثقافات ومعارف هؤلاء الأفراد الذين يشكلون بنية هذا المجتمع،في كل ٍ ثقافي ٍ ومعرفي ٍ واحد، وهذا ما يعطي ما نسميه (الغنى الثقافي) الذي يدعم ويقوي العلاقات بين أفراد هذا المجتمع، ويقيه من الخلافات».‏

أنغير ما بأنفسنا ؟‏

ترى هل يحفزنا مثل هذا الكلام، كي نغير ما في أنفسنا، وبالتالي نعيش حالة ً اجتماعية ً ثقافية ً منسجمة ً تجمع ثقافاتنا ومعارفنا المتنوعة والمتعددة في كل ٍ اجتماعي ٍ واحد، لا قطيعي. ؟ وحينها نكون اقتربنا كثيرا ً من إيضاح المطلوب من الحركة الثقافية، وأول وأهم أسئلتها، ليكون الغنى الثقافي هو الحل الأمثل لمجتمع ٍ تعددت ثقافاته بشكل ٍ كبير ٍ، بأمل أن تكون هذه التعددية الطريق الأمثل لمجتمع ٍ متنورٍ لا العكس ! وبما يؤدي إلى نشوء قيم ٍ محلية ٍ وطنية ٍ تساهم في التطور الإنساني، وتدعم تحرره وتطوره، من خلال التقاء القيم الإنسانية والوطنية...‏

لكننا في أزمة، ولسنا في وضع ٍ مثالي، وهنا المشكلة، بل الوضع الأصعب أمام المجتمع بمثقفيه، ومفكريه، و مسؤوليه، من أجل التفكير الجدي، وخاصة ً في ظل أزمة ٍ خانقة ٍ يمكن أن تفكك عرى التواصل المجتمعي، من هنا لا بد من طرح واقع، وآفاق الأسئلة التي يفترض بثقافتنا أن تطرحها؟ ومن هنا التوصيف الضروري للثقافة، ودورها، ما هو ؟‏

أعتقد أن أسئلة ً كثيرة ً ستطرح من خلال معاينة واقع مجتمعنا السوري اليوم، لكن التفكير في حل هذه الأسئلة،أو مقاربتها لن يخرج عن نطاق (الإنقاذ).‏

الأسئلة كثيرة‏

الجرأة والشفافية والموضوعية في معالجة وطرح هذه الأسئلة هي المقدمة الضرورية للبدء بمجرد التفكير في - طرح ومعالجة الأسئلة - المتعلقة بالحالة الثقافية اليوم،ومنها مسائل تتعلق بالتعايش والتسامح والتعاون والعيش المشترك وفق مفاهيم وثقافات ٍ مشتركة. لمواجهة مشاكل المجتمع وواقعه الثقافي المهزوز و مشلول و غير الفعال، وهي الصفات التي أقل ما يمكن أن تقال عنه حاليا ً، ويزيد في البلل نوعية القائمين على الفعل الثقافي، والدور المخجل الذي يؤدونه،في مرحلة ٍ من أصعب وأدق المراحل التي عاشها ويعيشها المجتمع السوري، وهنا السؤال الأهم:‏

هل استطاع القائمون على الثقافة محاورة المثقفين - قبل محاورة المجتمع - ؟ وهل أثمر عملهم الثقافي في مجتمعهم، أو أعطى ولو نتائج بسيطة ً في التفاهم مع الآخر، نقاشه، محاورته، إقناعه بالهم والفعل الثقافي والمجتمعي المشترك، الدخول إلى عقله وفكره ومحاورته، لاإرغامه على القبول بالأفكار الجاهزة والمعلبة التي واكبت حركتنا الثقافية السورية، وخاصة ً من خلال القائمين عليها ؟‏

هنا الطامة الكبرى‏

حيث لا يمكن لمجتمع ٍ ما مواكبة التطور والتحضر في العالم، ما لم يتمتع بثقافة ٍ ضرورية للنهوض ومسايرة العالم، ومن ثم لعب الدور الإنساني الحقيقي بعيدا ً عن (ثقافات ٍ متعصبة ٍ عدوانية ٍ ليست نابعة ً بالأصل منه أو من تاريخه وجذوره) وهنا الطامة الكبرى التي تؤدي إلى صراع ٍ كبير ٍ بين العلم والثقافات الإنسانية، وبين الجهل والتعصب والعدوانية. وهذا بدوره يدعونا إلى العمل من أجل المجتمع ثقافيا ً من أجل إنقاذه وإعادته إلى الطريق الصحيح.‏

الإنقاذ هدفنا المرحلي الأول‏

إذا ً تكمن الضرورة الأولى في إيصال الثقافة إلى الناس، وتفاعل الناس مع الهيئات الثقافية، وهذا لا يحدث رغم وجود المئات من المراكز الثقافية المنتشرة في مدن وأرياف سورية، بسبب أن هذه المراكز لا تلعب دورها المنوط بها، أو لا تتلقى التوجيه الصحيح، مما يجعل عملها شكليا ً وعدديا ً وكميا ً،بعيدا ً عن التأثير وتوجيه المجتمع، والحقائق اليوم صارت مكشوفة ً في تعرية الكثير من الحقائق حول الدور الثقافي وما يحققه، لنجد أنه كان مشلولا ً بلا نتائج إيجابية، وأهم معوقات هذا العمل الثقافي الجماهيري:‏

1- الإدارة البيروقراطية للمراكز الثقافية،والتي تسبب آلاف المشاكل الناتجة عنها فيما بعد.‏

2- محدودية الفهم الثقافي والمجتمعي،للقائمين على الثقافة.‏

3- عدم قدرة الكوادر الثقافية الإدارية - غير المؤهلة أصلا ً - على مواكبة التطور الفكري والتقني والمجتمعي في العالم.‏

4- التبعية الإدارية والمالية للهيئات الثقافية المحلية،التي تحد،بل وتشل من قدرة هذه المراكز على العمل.‏

5- عدم ثقة الجمهور بالفعل الثقافي الرسمي.‏

6- عدم قدرة المراكز الثقافية والقائمين عليها على جذب الجمهور المحلي، وعدم فعالية الخطط والتوجهات الرسمية، مهما كانت كبيرة ً بالشكل والأسماء، بينما بعض الأفراد قادرين على ذلك من خلال مهرجانات ٍ جماهيرية ٍ نجحت وأثبتت مدى تعطش ووله الجمهور بها وبالأنشطة الحقيقية التي تلامس الحس الجماهيري الحقيقي. وهذا يقود إلى التالي:‏

7- عدم فاعلية الأنشطة الثقافية المركزية والمحلية التي تنفذ لإفادة بعض المسؤولين الثقافيين، وبعض المستنفعين من المحاضرين الذين لا يحضرهم في معظم الأحيان إلا المرشد الثقافي وبعض أصدقاء المحاضر أو أسرته. من هنا آن أوان تغيير الشكل النمطي للنشاط والفعل الثقافي.‏

سرقة الآثار وتهريبها‏

ربما كانت قضية تهريب الآثار، وسرقتها، والتنقيب غير المسؤول عنها، من القضايا التي يجب إيلاؤها الأهمية الكبرى، وتقديمها عن غيرها لخطورة ما يقوم به البعض اليوم بعيدا ً عن الجهات الرسمية من سرقة ٍ وتعد ٍ على التاريخ والآثار. وهنا أهمية الحفاظ عليها، وهذا الدور - في ظل الظرف الراهن - يجب أن يلعبه كافة المواطنين لأن التاريخ يخصهم جميعا ً.‏

ربط الثقافة بالمجتمع المحي‏

يعتقد البعض دائما ً أن الأسئلة الكبرى تكمن في العالمية والدولية والعظيم من الأمور، ويرى البعض الآخر أن المحلية في طرح القضايا الثقافية والفكرية، و إيلائها الأهمية الأولى هي الحل للكثير من الإشكالات الثقافية والفكرية وقضاياها المتشعبة في ظل أجواء وأوضاع خطيرة ً يعيشها المجتمع السوري اليوم، وهنا فإن السوري -ورغم تدخل العالم - هو الوحيد القادر على إعادة الأمور إلى نصابها من خلال العمل الحقيقي والفعال فكريا ً وثقافيا ً من أجل سمو بلده وشعبه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية