تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الابداع واستنهاض الهمم.. الكلمة نور وسلاح.. ويـل الشـعوب التي لم تسـق من دمها‏.. ثاراتهـا الحمــر أحقــاداً وأضغانــــا‏

ثقافة
الأثنين 13-8-2012
هفاف ميهوب

لأنَّ أول الدروس وطن, كان من الطبيعي أن يستلهم كل مبدعٍ, أصدق وأنبل وأروع وأوفى مفرداته, من أبجدية وطنٍ أبى إلا أن يمنح المثابرين على عشقه أسرار تجدّده وتفرّده وبطولاته وأمجاده, وبما سُطِّر بوجدانِ وأصالةِ وكبرياء الروح والأرض السورية..‏

إنها الأصالة التي جعلت كُثرٌ من الشعراء يعانقون الوطن بقصائدٍ دوَّنته نكبة إثر نكبة وانبعاث إثر انبعاث, وبصورٍ شعريةٍ نارية وعاطفةٍ تنبض بالوطنية, وبكبرياءٍ يشبه ذاك الذي امتلكه «بدوي الجبل». شاعر الوطن والقضية القومية..‏‏

‏‏

نعم.. شاعرُ الوطن والقضية القومية.. الشاعر الذي امتلك من الأصالة والكبرياء ما جعل نفسه التي سمعت همسات الأسى وآهات الأماني, تستحثُّ كل روحٍ عربية اشتعلت بالأنفة والكرامة والإباء..‏‏

لاشكَّ أن كل هذا, كان سبباً في إخلاصه الشعري للوطن وفي عناقه الأبدي لدمشق, بل كان سبباً في إطلاقه تلك الصرخة التي أرادها صفعة في وجهِ كل من لا يعرف كيف يعانق الشعر وطناً, عطره من عطرِ السماء ومجده من دم الشهداء.. الصرخة التي احتفى فيها بأصالة شعبٍ صبَّ جام غضبه ونار دمهِ على عدوِّه وإلى أن استحقَّ منه القول:‏‏

الـزغـاريدُ... فقـد جُـنَّ الإباء‏‏

من صفاتِ اللهِ هذي الكبرياء‏‏

جـلَّ هــذا الــدمَ أن يُرثى لـهُ‏‏

عــارُ ســـافكيهِ أولى بالرثاء‏‏

لقد بدأ «محمد سليمان الأحمد» أو كما لُقِّب وعُرف «بدوي الجبل» بكتابة الشعر الوطني والقومي منذ سنٍّ مبكرة. ذلك أنه خاض حركات التحرر من الاستعمار الفرنسي وكان من طليعة الشباب الذين دافعوا عن الوطن شعراً وفعلاً, ما كان سبباً في حقد الفرنسيين عليه وملاحقته واعتقاله وضربه ومن ثمَّ تشرّده, وهكذا إلى أن عاد إلى دمشق ليضمها بين جوانحه أغلى قصيدة..‏‏

إذاً.. من الطبيعي أن نلتمس في قصائده حساً وطنياً ودعوة للصحوة العربية, ودون أن يتوقف عن التذكير بأمجاد ومفاخرِ أبطال الوطن.. صنَّاع الحياة والكرامة السورية..‏‏

من ذكرياته تلك, ما قاله في ذكرى البطل «إبراهيم هنانو» وضمن قصيدة أكَّد فيها بأن الشهادة هي السبيل الوحيد لاستعادة ما يحفظ للوطن سيادته وحقه وعنفوانه.. أيضاً هي الحافز الأكثر تشجيعاً لقومٍ ما أكثرَ ما وقفَ على قبر «هنانو» يستنهض نخوتهم ويحفّز همَّتهم قائلاً:‏‏

أبــا طارق هذي ســراياكَ أقبلتْ‏‏

يرفُّ على أعلامها العزُّ والنصرُ‏‏

لقـد قــدَّتها حــياً وميــتاً فما ثنى‏‏

شــكيمتها عنفٌ ولا هــدّها ذعرُ‏‏

أيضاً, وفي قصيدةٍ أصبحت نشيدَ ثأرٍ تطلقه حناجر الأحرار على امتداد الساحة العربية, ينبّه الشعوب ويذكِّر التي لم تزل تعاني من الاستعمار, بخطورة وجودها ومستقبلها إذا لم تسارع لحملِ السلاح وقتال المعتدي, وبعزيمةٍ وإرادةٍ مُحقَّة وحيّة.. محقّة في حقدها على العدو وحيّة بروحها وعقيدتها النضالية..‏‏

آمـنتُ بالحقــدِ يــُذكي من عــزائمنا‏‏

وأبعـــدَ اللـــه إشــــفاقاً وتحـــنانـــا‏‏

ويل الشعوبِ التي لم تَسقِ من دمها‏‏

ثـــاراتها الحُــمر أحــقاداً وأضـغانا‏‏

الحـقُّ والسيفُ من طبعٍ ومن نسـبٍ‏‏

كِـــلاهما يتــلقى الخطــبَ عـريانــا‏‏

لم يتوقف «بدوي الجبل» لدى هذا الحد من الحضِّ على الثأر, ذلك أنه استشعر وكغالبية الشعراء العرب, أهمية القضية الفلسطينية ومقدار ما يعاني أبناء شعبها من ويلٍ واضطهادٍ وتشردٍ وموت, ما دفعه لاستنهاضِ الهمم لمساندتهم وتأجيج الثارات من أجلهم, وبقولٍ منه:‏‏

قــد اســتردَّ السـبايا كل منهــزمٍ‏‏

لم تبـــقَ في رقِّـها إلا سـبايانـــا‏‏

ومــا لمحت ســياطَ الظلمِ دامية‏‏

إلا عــرفتُ عليها لحم أســرانــا‏‏

يا وحشةَ الثأرِ لم ينهض لهُ أحدٌ‏‏

فـاســتنجدَ الثأرُ أجـداثاً وأكفـانا‏‏

هذا هو «بدوي الجبل».. الشاعر الذي استحقَّ لقب شاعر العرب والعروبة والعربية. الشاعر الذي ما أكثر ما آلمهُ التخاذل وإلى أن امتلأت قصائده بالحضِّ على الثأر واستنهاض الهمم والدعوة إلى انتزاعِ الحق بالسيفِ والشهادة.. هذا هو الذي أحبَّ «دمشق» حباً لم ينتزعه منه حتى ذاك الفراق الذي قال فيه:‏‏

أتنــكرني الشـآمُ وفي فؤادي‏‏

تلقيــتُ الصوارمَ والـرماحا‏‏

وغنيتُ الشــآم دمــاً وثــأراً‏‏

فلا شكوى عرفتُ ولا نواحا‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية