بدءا بلجنة التحقيق في نتائج الحرب, حول جدواها أو عدمه , ومرورا بدور الإعلام الإسرائيلي عامة , والصحافة خاصة في هذه الحرب والمطالبة بمحاكمتها,وانتهاء بضرورة أن يمثل أمام هذه اللجنة المستوى السياسي ممثلا بأولمرت وحكومته , والمؤسسة العسكرية ممثلة بهيئة الأركان العامة ورئيسها حلوتس. لكن أكثر ما يؤرق الكتاب والمحليين في هذه الحرب , هو تآكل بل انهيار ما سمي ) بقدرة إسرائيل الردعية( ودعوة البعض للبحث عن أفضل السبل لاستعادتها , لان في استعادتها استعادة لثقة إسرائيل بنفسها , ولعل في قول الصحفي )افرايم عنبار( ما يلخص المزاج السائد حاليا في الكيان الإسرائيلي ) إسرائيل لا تستطيع أبدا أن تتحمل مثل الفشل الذي حصل في لبنان, فهي مجبرة منذ ألان أن تضع خططا عسكرية-سياسية- دبلوماسية , من اجل أن تحرز الانتصار في الجولة القادمة ).
(زمن الاتهامات(مقالة في هآرتس كتبها الوزير السابق )موشيه ارنس( يعكس خلالها ما وصلت إليه الأمور في إسرائيل ) التي دخلت الآن في دائرة الاتهامات بعد هزيمتها أمام حزب الله وكل ذلك بسبب قيادتها الحالية الفاشلة ...و من البديهي أن أحدا من السياسيين الضالعين في إخفاقات الحرب مباشرة - رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزيرة الخارجية والأعضاء الآخرين في المجلس الوزاري المصغر - ليس مستعدا لتحمل المسؤولية عن تلك النكبة.)ثم يتساءل ارنس قائلا( :هل يعني ذلك أنه لا توجد حاجة للجنة تحقيق رسمية? هذا كان صحيحا لو كان أولمرت وبيرتس وكل المجموعة قد تحملوا المسؤولية عن أخطائهم واستقالوا. ولكنهم يفضلون جر الدولة إلى دائرة الاتهامات وتشكيل لجنة تحقيق اختار رئيس الوزراء أعضاءها.) ارنس بجيب على تساؤله بقوله( المسألة تتعلق بقضية جدية فعلا: قدرة إسرائيل على حماية نفسها من العمليات الهجومية المستقبلية تعتمد على تطهير الأجواء واتخاذ خطوات تعديلية في الجيش وقيادة مسؤولة جديدة للبلاد. من دون لجنة تحقيق رسمية لن يحدث ذلك, وكلما كان ذلك أسرع, كلما كان أفضل من دون إهدار للوقت.
غير أن زئيف شيف الكاتب في الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل له رأي أخر في لجنة التحقيق وهو:( شرط أول وأساس لنجاح لجنة الفحص للحرب في الشمال, والتي صادقت الحكومة أمس على تشكيلها, هو قائمة المواضيع التي ستحقق فيها. لا يجب السماح للسياسيين, بما في ذلك رئيس الوزراء ايهود اولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس أن يحددوا المواضيع والشكل الذي يتم التحقيق فيها به.... واهم مسالة يجب أن تبحثها اللجنة هي مسألة هامة عليها أن تحل لغزها, هي كيف تدحرجت إسرائيل حتى الصدمة, حتى الحرب التي بدأت في تموز ,2006وماذا كانت تعرفه قيادة المنطقة الشمالية وهيئة الأركان عن وضع مخازن الطواريء للفرق الاحتياط, وكيف أثر القتال في المناطق, ولا سيما في قطاع غزة على مستوى القتال وعلى وضع هذه المخازن? ماذا كانت تعرف هيئة الاركان عن المستوى المهني للمقاتلين في فرق الاحتياط, في أعقاب الانخفاض الكبير في عدد التدريبات?ماذا كانت أهداف الحرب التي قررتها حكومة إسرائيل, وماذا كانت المهمات التي كلفت بها هيئة الاركان قيادة المنطقة الشمالية, وأي من هذه الأهداف تحقق? هل إعادة التنظيم البنيوي في الجيش الإسرائيلي أثرت سلبا على الجاهزية وعلى إدارة الحرب? لماذا عين نائب رئيس الاركان, اللواء موشيه كابلنسكي, مديرا للقتال في الشمال, فوق قائد المنطقة الشمالية المستقيل, اودي أدام. هل وقعت نقاط خلل في توزيع معاوني الاستخبارات على الوحدات? هل المعلومات الاستخبارية التكتيكية وصلت إلى ضباط الاستخبارات في الوحدات ومندوبي سلاح الجو في قيادة المنطقة الشمالية .ماذا كانت أسباب التأجيل المتكرر للعملية البرية, حتى عشية اتخاذ القرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار?ماذا كانت تعرف الاستخبارات عن الانفاق التي بناها حزب الله في مواقعه على خط الحدود وفي المواقع التي أقامها في المجالات المفتوحة? وهل الأنباء عن مخزون السلاح المضاد للدبابات والذي بحوزة حزب الله قد استوعبت في تدريبات قوات الجيش الإسرائيلي?لماذا امتنعت حكومة إسرائيل عن الإعلان عن (وضع طواريء).
يوسف حاريف في معاريف يرى أن لا فائدة ترجى من هذه اللجنة الكشوف عن إخفاق المستوى العسكري في إدارة الحرب في لبنان, وعن الأخطاء الشديدة للمستوى السياسي, لا تنكشف فقط بشهادات جنود الاحتياط الذين عادوا من المعارك, بل بتصريحات عدد من أعضاء الحكومة أيضا, الذين يوجهون الاتهامات بعضهم إلى بعض بلا وازع)..... اليوم, كما كان آنذاك, الجمهور خائب الأمل جدا من الحكومة, ولا علامات على أن الاحتجاج والنقد العامين سينقطعان. إن الحكومة المختلة التي لا تتمتع بثقة الجمهور, ستصل بالضرورة إلى نهاية طريقها قبل أوانها
غيورا فورمان في يديعوت أحرنوت يضع النقاط على الحروف بشان اللجنة في مقال له نحت عنوان ملفت :( ما الذي حصل معنا إذا? كما هي العادة في بلادنا, ظهر عندنا محللون ومُنظرون لمجريات الحرب, خبراء استراتيجيون يبحثون عن الإخفاقات. والآن آن الأوان للتحقق من بعض الحقائق التي ترددت على الألسن: )إنجازات الحرب القليلة ستؤدي إلى اندلاعها من جديد). هذا ادعاء شائع توجد احتمالية كبيرة لعدم تحققه, والسنوات القادمة تحديدا, ستكون هادئة في الشمال. التعادل الذي تم تحقيقه يتيح للعدو إمكانية إشهار انتصاراته واستغلالها للتأثير السياسي في الوقت الذي يؤدي فيه استئناف الحرب إلى إفساد هذه الإمكانية وضياعها من بين يديه.ويرى الكاتب أن(أهداف الحرب كانت مدحوضة). خطابات اولمرت وبيرتس في الأسبوع الأول تمخضت عن توقعات غير واقعية. قضية الأهداف تعرضت للنقاش مرات كثيرة في هيئة الأركان, ولم تكن لدى المستوى العسكري تعريفات محددة في أي مرة من المرات.....أن(سلاح الجو لم يحسم المعركة, وهو غير قادر على حسمها....) لم تنجح أي دولة في دحر تنظيم إرهابي(. التاريخ يؤكد هذه الفرضية... )رئيس هيئة الأركان أزاح قائد المنطقة الشمالية خلال الحرب(....)ليس لدينا حل للصواريخ(. المسألة موضوعة على سلم الأوليات منذ عشرين سنة.)
ثم ينتقل رون بريمن الكاتب في معاريف ليناقش دور الإعلام الإسرائيلي خلال الحرب على لبنان ويقول :(لا يوجد شبيه في العالم كله لصحافتنا. المعتاد في العالم أن الصحافة تضيء كل حدث. وتستوضح, وتُنبه الحواس, وتوجب التفكير. وتحارب. لأن الصحافة هي الفم الناطق, الذي يطالب باسم الشعب كله في حين يكون الشعب منهمكا ومشغولا. لكن صحافتنا هي التي خانت الشعب, وجعلت الرأي سفيها. هي التي نوّمت الغريزة الحية وأسكتت (رويدا رويدا) المصلحة في معرفة في أي وضع يوجد الشعب وفي أي وضع يوجد الإنسان. لقد سدت السبل على المقاومة. لقد عوّدت عدم التفكير. أن تقول إنه لا يوجد خطر في حين تفغر الهاوية فمها..).ويتابع الكاتب.... لقد أحدثت حرب صيف 2006 تصدعات في السور الحصين لمن تحيونوا في قصد إلى تقديم مسارات التآكل والتفكك هذه. ولكن وكان ما يزال آخر ضحايا الحرب لم يُدفنوا بعد وقبل أن يُحقق في إخفاقاتها, بدأ قادة وصحافيون يسوقون مرة أخرى الإجراءات التي دفعت بإسرائيل إلى الهاوية الحالية.
بدوره يطالب الكاتب يعقوب شاحام في هارتس محاكمة الإعلام الإسرائيلي على الدور المضلل الذي قام به خلال الحرب ويدعو هذا الإعلام في ذات الوقت لمراجعة نفسه :( : لا تستطيع أدوات الإعلام الإسرائيلية تجاهل تقصيرها زمن حرب لبنان وتجاهل النقد الكثير الذي وجهه الجمهور إليها. يجب على الإعلام الإسرائيلي أن يفحص نفسه ... كنا جميعا شهودا, في أيام الحرب, على مشاعر الغضب من الإعلام, والنقد الذي لم يكن له شبيه في شدته أحيانا. لأسفي في عدد لا يُستهان به من الحالات كان النقد صادقا, وسيكون تجاهله خطأ شديدا.... لا شك عندي في أن تصرف الإعلام في زمن الحرب في لبنان سبب الإضرار بصورته في نظر الجمهور, وهذه مشكلة تجب مواجهتها.
وبين هذا وذاك كانت موضوعة الردع الأكثر أهمية وإلحاحا في الموضوعات التي لا تزال مثار جدل دائم في واقع الحياة السياسية والعسكرية وحتى الإعلامية الإسرائيلية وفي هذا المجال يقول احد عوزي أراد أهم الكتاب الاستراتيجيين في إسرائيل في مقال له في يديعوت أحرنوت :( بينت حرب لبنان الثانية عن عجز ردعي متراكم لإسرائيل وعن فرق بين تصريحات إسرائيل في هذا المجال وأعمالها وهذا شيء خطر يجب تلافيه خاصة .فقد هدفت المعركة في لبنان, من جملة ما هدفت إليه, إلى إعادة بناء الردع الإسرائيلي. حدد الجيش الإسرائيلي هذا الهدف, وإن لم يبرزه المستوى السياسي. لا يخالف عن هذه الحاجة أحد, لأنه في السنين الأخيرة تبين بجلاء (عجز ردعي) متراكم من قبل إسرائيل - سواء نحو حزب الله وسورية أو نحو إيران. ويرى الكاتب انه في سبيل تجنب استمرار ضعف الردع الإسرائيلي :( ينبغي أن نأمل أنه في إطار دروس المعركة في لبنان سيتم البحث في جدوى تخفيف الأعباء التي تُثقل الردع الإسرائيلي بالاعتماد على أكبر قدر من القدرات الدفاعية والهجومية. ولما كان من الممكن أن تبقى مهمات لا يوجد رد عليها سوى الردع, فسيكون من الواجب على إسرائيل أن تجد طرقاً لإزالة العجز الردعي الذي تراكم حتى الآن, ولتُحصن الأسس التي يعتمد عليها الردع ولتأخذ بسلوك استراتيجي أكثر اتصالا بقواعد الردع وضروراته.)
أما يسرائيل هرئيل الكاتب المتخصص بالشؤون الأمنية في إسرائيل فله رأي واضح أخر في الموضوع نفسه حيث كتب مقالة في هارتس يدعو فيها للعودة إلى الضربة الاستباقية كشرط لاستعادة قوة الردع الإسرائيلية يقول فيها .) أن على إسرائيل أن تعود إلى نظرية الضربة المضادة المسبقة حتى تعيد الأمن لمواطنيها .... نتائج الحرب أثارت مخاوف وجودية حتى عند المتجذرين في الكينونة الإسرائيلية ومن قاتلوا في حروب أشد ضراوة. الكثيرون منهم يسألون ما الذي حدث لنا. السؤال يطرح بالتحديد لأن هذه الحرب لم تكن حرب وجودية ضمن المفاهيم العسكرية. وإن كانت النتيجة على هذا النحو في مواجهة تنظيم عصابات صغير, فماذا سيحدث عندما سنضطر لمواجهة سوريا وإيران, أو تحالف عربي أوسع نطاقا?...... الإجابات الرسمية وغيرها أيضا تتجاهل الجذور الفكرية والثقافية والاجتماعية التي غذت النظرية المسبقة العسكرية التي انهارت في لبنان. لذلك يحظر الاعتماد على أقوال كبار قادة الجيش والقيادة السياسية التي تدعي أن كل شيء سيكون بصورة مختلفة فيما لو فرضت علينا الحرب من قبل سورية أو إيران. ولكن ما كان هو الذي سيكون إن لم يتغير الوعي والأشخاص القياديين في هذه الدولة?. ويعتقد الكاتب جازما انه )من دون التوبة في هذه القضية المصيرية - أي من دون عودة معلنة وخالية من التعقيدات لنظرية الضربة المضادة المسبقة - سيكون (الملجأ الآمن لليهود) - أي دولة إسرائيل - هو أخطر مكان عليهم وعلى وجودهم وان على إسرائيل أن تعد نفسها لجولة جديدة نكون يدها العليا فيها