إذا أقدمت على اعتقال عدد من النواب والوزراء الفلسطينيين وإنه لاعتقاد مبني على خداع النفس, وانطلاقا من هذا الاعتقاد القائم على شفا جرف هاو من الوهم تبدأ لعبتها المفضلة في جعل حبكة المسرحية التي كتبتها وأخرجتها أكثر إثارة وتشويقا فتبادر إلى مصادرة أموال بعض محال الصرافة زاعمة أن هذه الأموال تشق طريقها على عجل لدعم الإرهاب.
وتعبيرا منها عن انصهارها في دور البطولة المطلقة في مسرحية ( تأديب الشعب الفلسطيني) تعلن إسرائيل أن موعد الإفراج عن نواب ووزراء ( حماس) لما يحن بعد, أو أنه مازال في قبضة التأجيل لأن التهمة التي يواجهها هؤلاء (الحماسيون) على درجة عالية من التعقيد أنهكت عقول القضاة والمدعين العامين الإسرائيليين الباحثين عن العدالة بحثهم عن إبرة متناهية في صغرها وسط كومة هائلة من القش.
إنها التهمة الجاهزة للخروج من مصنع التعليب كلما استدعت الحاجة خروجها ( الإرهاب), لأن إسرائيل تكره الإرهاب ولا تطيق سماع اسمه ولم تغص حتى ناصيتها في مستنقعات قذارته!.
لقد أقامت علاقة وثيقة معه لأنه كان المدماك الأساسي في قيامها, وحجر الزاوية في نشوئها, كان الشريان الأبهر الذي يغذيها بالدم الأسود المجبول بالحقد على الفلسطينيين والعرب بل الحقد على الإنسان في كل زمان ومكان لتبقى على قيد الحياة, وهي على قناعة أن الموت لها بالمرصاد إذا قطع هذا الشريان لذلك تحرص على أن تظل علاقتها بالإرهاب علاقة متجذرة ومع ذلك يطيب لها الادعاء أنها بريئة منه براءة الذئب من دم يوسف.
تستطيع إسرائيل أن تفعل ذلك لكن أنى لها أن تقنع العالم الذي بات يدرك حقيقتها أنها ليست منبع الإرهاب ومصبه وها هي أصابع حكامها ملطخة بدماء الأبرياء في لبنان وفلسطين, ويبدو أن هؤلاء الحكام لا يستطيعون غسل أيديهم ليزيلوا عنها آثار تلك الدماء لأنهم يعرفون أنهم على موعد جديد كل يوم مع مجازر جديدة يرتكبونها في كل ارض عربية يستطيعون ارتكاب المجازر فيها, وها هي الأنباء تتوالى عن اقتحام الدبابات الإسرائيلية مدن وقرى قطاع غزة وغيره من الأراضي الفلسطينية.
ولأن عين إسرائيل وقحة إلى أبعد الحدود فهي تطالب حكومة الوحدة الفلسطينية التي بات تشكيلها أمرا شبه محسوم الاعتراف بإسرائيل, ترسل هذه الرسالة إلى الحكومة القادمة عبر البريد الأميركي المضمون منتهزة فرصة زيارة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ( محمود عباس) إلى ( واشنطن) وحرص سيد البيت الأبيض على عدم تعريض وجه إسرائيل لحمرة الخجل فيطالب من هناك الحكومة الفلسطينية الاعتراف بإسرائيل.
إنه الأسلوب الإسرائيلي المعروف القائم على مبدأ ( خذ وطالب).
لكن ( حماس) قطعت الطريق على إسرائيل فأعلنت تمسكها بموقفها المصر على عدم الاعتراف بهذا الكيان الغاصب الذي جعل من إراقة الدم الفلسطيني وتدمير البنية التحتية الفلسطينية هواية يعشقها ولا يستطيع التخلي عنها لأنه يجد فيها لذة منقطعة النظير.
( حماس) التي وصلت إلى ما وصلت إليه من ثقة تحرص عليها مصدرها الشعب الفلسطيني المتشبث بأرضه وتاريخه لن تفرط بتلك الثقة, ولن تسيء إلى تاريخ نضالها الناصع وهي ترى في إسرائيل دنسا يلقي بهذا التاريخ في غيهب الضياع.
هذه الحقيقة تعيها إسرائيل وتدركها جيدا لذلك تمارس أعلى درجات الضغط لسوق ( حماس) إلى تغيير موقفها. ولا يثنيها عن ممارسة هذا الضغط انشغالها بأزماتها الداخلية التي طفت على السطح بعد أن ساقت نفسها إلى الغوص في حمأة المستنقع اللبناني لتغسل وجهها بوحل الهزيمة النكراء, وعلى كل لجنة تحقيق شكلت أو ستشكل لكشف المستور عما جرى في حرب لبنان توجيه الشكر للسياسيين والعسكريين الإسرائيليين الذين أوجدوا لها كما كبيرا من العمل تتسلى به بدل انصرافها إلى الشكوى من الملل في أروقة ( الكنيست).
وتعول إسرائيل على بذر بذور الفتنة بين القوى السياسية الفلسطينية معتقدة أن إذكاء نار الخلاف بين ( حماس) و( فتح) يمكن أن يمهد الطريق لسقوط حكومة ( حماس) أو خروج ( حماس) من الساحة السياسية الفلسطينية ومجيء حكومة يكون همها الأول الارتماء في حضن اسرائيل وطلب الغفران والرضا منها, وهذا الأمر لن يتم ولن تصل إسرائيل إلى مبتغاها لأن الشعب الفلسطيني لن يجر إلى تلك الفتنة العمياء التي تتمنى إسرائيل أن تراها بشرا سويا اليوم وليس غدا.
الشعب الفلسطيني سيكون بنيانا مرصوصا عصيا على الاختراق, يقف مع تلك الحكومة المدافعة عن حاضره ومستقبله, وهو يعلم علم اليقين أن إسرائيل هي العدو الحقيقي وعليه أن يعد ما استطاع من قوة لمواجهة هذا العدو الذي لن يتراجع عن مخططه الأثيم في اقتلاع فلسطين ومحو عروبتها, ولن ينجح في ذلك مادام هناك شعب فلسطيني مؤمن بحقه في الحياة على رغم أنف إسرائيل.