وقد نشرت الهيئة الدولية التابعة للأمم المتحدة,المختصة بمراقبة وملاحقة إنتاج وتجارة المخدرات والجريمة تقريراً حديثاً,تقول فيه :إن المساحات المزروعة في أفغانستان بالمواد الخام لإنتاج المخدرات,ازدادت في هذا العام 2006 بنسبة 59% وبلغت نحو 165 ألف هكتار,مقابل 100 ألف هكتار في العام الماضي.ووصلت كمية المحصول الاجمالي من المواد الخام نحو 6100 طن.
ويؤكد منتجو الأفيون الأفغان,أن إنتاج العام الحالي كان متميزاً,من حيث النوعية والكمية وإذا كان إنتاج كيلو غرام واحد من الهيرويين يحتاج من 10 الى 15 كيلو غرام أفيون خام,فإن إنتاج الكيلو غرام الواحد في هذا العام,احتاج فقط الى 7 كيلو غرامات من الأفيون الخام,وهذه حالة نادرة جداً.
ووفق تقرير الهيئة الدولية لمكافحة المخدرات والجريمة,فإن محصول أفغانستان من الأفيون الخام عادة يصل الى 4000 طن والتي تعطي 400 طن من الهيرويين الصافي.
أما في العام الحالي فقد بلغ حجم المحصول الخام 6100 طن من المفترض أن يعطي نحو 870 طناً من الهيرويين,وتعتبر هذه الكمية خيالية مقارنة بالمعايير المعروفة.
وحيال هذا الوضع,ليس من الصعب أن نتصور كمية المخدرات التي يمكن أن تقدمها أفغانستان لأسواق أوروبا وروسيا في هذا العام.
والمدهش أن زراعة الأفيون في أفغانستان ومعالجته وتسويقه تتم تحت أنظار قوات الاحتلال الأميركي,وتتسم بدقة متناهية من حيث النقل والتسليم وقبض الأرباح التي وصفها أحد المعلقين بأنها تجري بدقة تماماً مثل دقات ساعة (بيغ بن).
وبالتالي يصبح من المنطقي أن يطرح السؤال المحير,كيف تتم كل هذه الأمور المتعلقة بزراعة وإنتاج وتسويق المخدرات في أفغانستان دون مساءلة من أىة جهة كانت وتفرض أية عقوبات رادعة ضد زارعيه ومنتجيه وتجاره.
ولا يوجد آلية محددة لمكافحته أو استخدام القوة للحيلولة دون انتشار المخدرات بالشكل الذي تتم فيه? فقوات التحالف الدولي في أفغانستان والتي تقول إنها موجودة في هذا البلد لمكافحة الإرهاب وملاحقة الإرهابيين. لن تحرك ساكناً ضد مزارعي ومنتجي المخدرات,وثمة من يؤكد أن الأرباح الهائلة الناتجة عن المخدرات يذهب قسم منها ليس بقليل, لشراء الأسلحة وتمويل ما يسمونه المنظمات الإرهابية.
واذا ما طرح أحد ما سؤالاً على مسؤولي قوات التحالف الدولية في أفغانستان,فالجواب يكون عادة لا يوجد قرار خاص من الأمم المتحدة يمنح هذه القوات الحق القانوني لملاحقة مزارعي وتجار المخدرات,علماً أن هذه القوات الدولية وقوات الولايات المتحدة الأميركية التي دخلت أفغانستان دون إذن من مجلس الأمن,لم تقدم أي طلب لمجلس الأمن الدولي ليصدر مثل هذا القرار!! إنها مفارقة مدهشة!..
ويصرح مسؤولو الإدارة الأميركية حيال هذه الظاهرة الخطرة التي تزداد انتشاراً في أفغانستان وبالتالي في العالم بأنهم غير مستعدين لحشر أنوفهم بمشكلة لا تعنيهم من قريب ولا من بعيد,وهم بغنى عن خلق مشاكل إضافية مع السكان المحليين الذين يحققون دخلاً جيداً من وراء المخدرات.
أما أوروبا وروسيا فغير قادرتين ولأسباب مفهومة على الانخراط في معالجة هذه المشكلة لأنهما بعيدتان عن الساحة الأفغانية,رغم تضررهما من هذه المشكلة المعقدة.
وأعلن وزير الدفاع الأميركي رونالد رامسفيلد (أن على روسيا وأوروبا تعزيز التعاون فيما بينهم لوضع حد لهذه المشكلة التي تنمو مع تنامي الطلب على المخدرات في أسواق روسيا وأوروبا الغربية خاصة.
ولكن أرووبا وبوصفها أحد الأطراف المكونة لقوات التحالف الدولي في أفغانستان لم تتمكن من فعل أي شيء جدي في مكافحة المخدرات,وقد أعلن السيد أنتونتو مارياكوستا رئىس دائرة مكافحة الجريمة المخدرات التابعة للأمم المتحدة في المؤتمر الدولي الخاص بمسألة المخدرات الأفغانية الذي عقد في موسكو مؤخراً.
إن زج قوى التحالف الدولي في مسألة زراعة الأفيون والخشخاش ومختبرات معالجة الأفيون الكيميائية,الذي جرى في عام ,2005لم تحقق النتائج المرجوة,بل على العكس فقد أسفرت تلك المحاولات عن توتير العلاقات مع السكان المحليين.
وحيال ذلك فإن المهمة الممكنة اليوم هي توجيه ضربة موجعة,للقاعدة المادية التقنية لمعالجة وصناعة مواد المخدرات الأولية فقط,لأن أي توجه آخر قد يلاقي الفشل حسب التجربة السابقة.
ولكن كيف يمكن فهم ظاهرة تجوال ونشاط تجار المخدرات تحت أنظار القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي دون أن تتخذ هذه القوات أي اجراء لوضع حد لهذه الظاهرة التي باتت مألوفة للجميع لدرجة أنه يمكن القول إن أفغانستان تحولت الى ساحة للاتجار بالمخدرات وبأنواع مختلفة?!!
وتقف الحكومة الأفغانية عاجزة عن فعل أي شيء,بهذا الخصوص رغم وجود وزارة خاصة لمكافحة المخدرات. وفي جميع الأحوال لا يجوز بأي شكل من الأشكال عدم بذل الجهود لمعالجة هذه المشكلة المستفحلة ولكن كيف?
يبدو أنه من الصعب الاجابة على هذا السؤال ولاسيما أن فرع الهيئة الدولية لمكافحة المخدرات في منطقة آسيا الوسطى,ورغم كل التدابير والاجراءات التي استخدمتها لوضع حد لتجارة المخدرات فإن هذه الظاهرة تزداد اتساعاً وخطورة في وسط آسيا والعالم دون رادع قانوني مما يثير الكثير من الشكوك والتساؤلات حول علاقة تجارة المخدرات بالسياسة ولا سيما وأن الأرباح المحصلة من تجارة المخدرات تستخدم لأهداف مختلفة .
بما فيها أهداف خاصة وجمع الثروات الطائلة من قبل أطراف متعددة, وبطبيعة الحال عندما تصبح المصلحة مشتركة تكف التدابير والاجراءات عن أي تأثير مرجو منها!!!...