|
بورتريه... ماريو بوزو عراب (مافيا) التحول?! كتب تتابع( كاي) باصرار أي نوع من الحياة تنوي أن تجعلني أعيشه معك? أتكون حياة أمك? وإذا حصلت لك مصيبة أمن الممكن أن تنتهي يوماً إلى السجن?!( يجاوب مايكل بحسم وجمود: -لا, هذا مستحيل, أن أقتل فهذا ممكن, أما أن أسجن فلا). لخاطر أن نتذوق عمل ماريو بوزو رواية العراب علينا أن نقرأها وألا نكتفي بثلاثية العراب- الرائعة- التي أخرجها للسينما فرانسيس كوبولا ليس غريباً أن تطغى شهرة( العراب) والممثلين الذين قاموا بلعب أدوار البطولة فيه(مارلون براندون, آل باتشينو, دايان كيتون) على شهرة الرواية الأصل وأن يكتب لاسم الدون كروليوني الرسوخ في الأذهان والذاكرة أكثر من مبدعه ماريو بوزو!! قد تتعزز قناعتنا بمدى واقعية الرواية ولا نستغرب دقتها وبلاغتها وقوة حبكتها إذ ما علمنا أن كاتبها هو من مواليد ايطاليا وحامل للجنسية الأميركية, درس الأدب في نيويورك عاش بأحياء ايطالية وتسنى له أن يعلم الكثير عن عصابات حقيقية وأن يعايش الحياة الايطالية والأميركية والعائلات التي هاجرت من ايطاليا إلى أميركا في فترة الأربعينات والخمسينات, بوزو عرف عنه أنه كان مولعاً بلعب القمار والتنس وخالط الكثير من المشاهير في حياته التي صرفها بين الرقص والنبيذ واللازانيا وحين نشر رواتيه ( العراب) كان في الخمسين من عمره وكانت عمله الأدبي الأول وفور صدورها تصدرت أفضل المبيعات لمدة 67 اسبوعاً على التوالي وبيع منها أكثر من 20 مليون نسخة ثم ترجمت إلى معظم اللغات الحية. وحين تحولت إلى عمل سينمائي رشحت لتسع وعشرين جائزة أوسكار نالت منها 9 أوسكارات!! رغم حالة الابهار التي تضعنا فيها سلسلة العراب السينمائية قراءة عمل بوزو الأصلي سيزيد من هذه الحالة أكثر ويدفعنا للتساؤل كيف استطاع قلمه وخياله الأدبي تقديم( عصابة مثالية في عائلة قوية بطريقة مأساوية) والتغلغل على ذاك النحو الذكي في طريقة تكوين وعمل المنظمات السرية والجماعات المناهضة للحكومة وتورط رجال الأمن بما هم مسؤولون بمحاربته مقدماً بذلك تفاصيل(ا لمافيا) الداخلي مع الخارجي. مايكل كروليوني كلنا نذكر ذلك المشهد الذي حدث بين مايكل وشقيقه في احتفال ليلة رأس السنة في كوبا ورأينا قبلة ألمافيا الشهيرة- القبلة التي تعني الموت الأكيد:( أعلم أنه أنت يافريدو, لقد حطمت قلبي) هذا ماقاله مايكل لأخيه عندما قبله من فمه في مشهد اعتبره النقاد الأفضل بفيلم العراب?! فالخيانة مرفوضة وعقابها الموت.. ذلك التحول الفريد الذي رصده بوزو خلال مسيرة بطله مايكل حيث وضعنا بمواجهة ذكية مع تحول صعب عن وعي وارادة مع علمه المسبق أن هنالك خطوطاً حمراء من تعداها لايستطيع العودة بعدها إلى ماكان عليه بالسابق.. كسب حياته بوحشيته المخبأة?! في مطلع الرواية يقول العراب- الأب فيتو كروليوني للمغني جوني فونتان:(تستطيع أن تصنع بحياتك ماتشاء). بثقة يتاح لي القول إن شخصية مايكل يمكن لأي قارىء الالتقاء معها وأن يعثر فيها على نقاط مشتركة معه, أليس (الانسان هو ليلٌ يؤوي ليلاً) ?! أليس ثمة تغيرات ترغمنا عليها الحياة لصالحنا.. كأن تعلمنا الركض لتسمح لنا بالطيران!! ربما ليس سهلاً مواجهة غماماتنا العاصفة لكن ليس صعباً, أن نتعود وربما نحب خطراً محدقاً لايسمح لنا بالنوم في حضن رتابة واقع ما.. مع مايكل ألا نقتنع بما قاله أحد الفلاسفة يوماً( غير عابئين, ساخرين, عنيفين- هكذا تريدنا الحكمة إنها امرأة, وهي لاتقدر أن تحب إلا المحاربين) ثمة شيء في داخل كل منا يعطينا الحق بالقول والجزم أن شخصية مايكل نجحت نجاحاً ساحقاً لأنه قبل قسوة التحول وغير اتجاهات أشرعته حتى لاينتظر من يدفع به ليغير جهته ووجهته ومكانه.. ويستحق غروره وأن يكون طاووس الطواويس?!
|