وليس هناك عاقل على وجه الكرة الأرضية يمكنه أن يرفض مبدأ الحوار والاقتراب بين أبناء البلد الواحد أو بين الأشقاء بكل أشكاله فكرياً وثقافياً وإعلامياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً.
ولهذا فإننا نقف بكل حزم مع ميثاق الشرف السياسي والإعلامي الذي أعلنه- من قبل - مؤتمر الحوار اللبناني,في الوقت الذي ندعو فيه الى الحوار الهادئ والموضوعي بين الحكومة الفلسطينية والسلطة,ونرفض أي تصعيد ناري من أي طرف كان تحت أي ذريعة من الذرائع كما نراه في المواقف النارية التي يصعدها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط.
فالتصعيد الذي يمارسه لن يؤدي إلا الى سلب المقاومة الوطنية اللبنانية كل ما حققته من انتصار اسطوري وهذا يؤدي الى مزيد من التراشق السياسي العنيف الذي سينتهي بالأمور الى منزلق خطير لا يهدم ميثاق الشرف فقط وإنما يفضي الى مزيد من الأزمات القاتلة على مختلف الصعد,وفي طليعتها أزمة قاتلة للبنانين تبدد آمالهم في تغيير الواقع المر الذي يعيشونه.
وحينما يصر الشرفاء في لبنان على دعوتهم الى تشكيل حكومة وطنية عن طريق الحوار الهادئ فإنما يبتغون من وراء ذلك كله أن يتعاملوا بعقلانية ووعي مسؤول مع كل الطروحات المقدمة على الساحة اللبنانية ابتداء بتحليل مقابلة ممثلين لجماعة 14 آذار للسفير الأميركي (جون بولتون) ومنحه وسام (الأرز) ظلماً وبهتاناً,وهو المعروف بدعمه اللامحدود للكيان الصهيوني.
إذا لم نقل إنه أحد أعمدة السياسة الصهيونية في الإدارة الأميركية ومروراً بالعدوان الوحشي الصهيوني على لبنان لمدة 33 يوماً,ثم صدور القرار (1701) ومجيء قوات اليونيفيل الى الجنوب,وانتهاء بمضمون تقرير (القاضي البلجيكي سيرج براميرتز) المقدم الى الأمين العام للأمم المتحدة يوم (25/9/2006) وهو تقرير بعيد الآفاق لم تتكشف أبعاده الحقيقية حتى الآن علماً بأنه ثمن الموقف المتعاون لسورية مع لجنة التحقيق.
وحين نتوجه الى مختلف الفرقاء في لبنان لفتح حوار وطني موضوعي وأخلاقي فإننا ما زلنا متمسكين ببراءة سورية من دم الحريري,ومصممين على أن يأخذ القضاء النزيه دوره كاملاً في كشف ملابسات هذه الجريمة النكراء وعلينا جميعاً ألانعطل عمل مؤسسات القضاء والحفاظ على نزاهتها,ولا سيما أن الشعب اللبناني العظيم بدأ يكشف شيئاً فشيئاً الأيدي الآثمة التي تلطخت بدم الرئىس الحريري.
ولا سيما بعد انكشاف شبكات الخيانة ولا سيما شبكة الخيانة والقتل والاجرام المرتبطة بالمخابرات الصهيونية في (6/6/2006),والتي قادها على مدى سنوات عدة المدعو محمود قاسم رافع.وهي الشبكة التي قامت بالعديد من جرائم الاغتيال والقتل في لبنان آخرها اغتيال الأخوين محمود ونضال المجذوب في (26/5/2006) اللذين ينتميان الى منظمة (الجهاد الإسلامي) الفلسطينية.
وفي ضوء ما جرى ويجري من أحداث داخل الوطن المحتل-وعلى الرغم من التسعير الناري الخطير الذي جرى بين الأشقاء الفلسطينيين-فإننا نسجل ارتياحنا الشديد للحوار الايجابي بين السلطة ومنظمة (فتح) من جهة وحكومة السلطة الوطنية بقيادة (حماس) من جهة أخرى وندعو الى مزيد من الحوار الوطني الموضوعي والايجابي بينهما.
لأن الخاسر الوحيد لعدم الاتفاق هو الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية برمتها أما الكاسب الوحيد من الاحتراب الذي جرى بينهما فهو الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية اليمينية وكل أعداء الحرية والكرامة الإنسانية.
ولا شيء أدل على مخاوف الكيان الصهيوني من هذا الحوار خشية الوصول الى الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية من أنه مارس عملية قرصنة لا نظير لها في التاريخ الإنساني, إذ خطف تسعة وزراء وعشرين نائباً ممن ينتمون الى حماس للقضاء نهائياً على خيار الشعب الفلسطيني في المقاومة,واجهاض عملية الحوار الوطني.
ولسنا نشك في أن هذه القرصنة سوف تنجلي مهما طالت,ودعمت من قبل الإدارة الأميركية المتصهينة,ويجب أن تكون دافعاً قوياً للفصائل الفلسطينية لتقوم بمزيد من الحوار وإعطائه الفسحة الكافية فسحة أساسها الاتفاق على حرية الوطن والحفاظ على الانسان والأرض والعرض والمقدسات. وعليها أن تتذكر دائماً وأبداً أولئك الأحرار والشرفاء المكبلين بالأصفاد داخل السجون الإسرائيلية وهم يزيدون على 10 آلاف أسير, فضلاً عن أن الأرض العربية مكبلة بقيود الدبابات الصهيونية والأميركية وطائرتها وصواريخها.
ولهذا علينا أن نمارس الحرية بمزيد من الحوار لا بمزيد من الاحتراب, فالاتفاق بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة على الثوابت الوطنية والقومية أقل خسارة من الاتفاق على الاستقواء بالإرادة الأميركية الصهيونية التي تسعى إلى الهيمنة وبسط نفوذها على أرضنا وجعلنا عبيداً فيها. وفيما لو نجح أرباب الدعاة إلى الاستقواء بأميركا أو غيرها, وحققوا أهدافهم النهائية, بعد نجاحهم في توتير الأجواء وتأزيم الأوضاع الداخلية, وأسقطوا الحكومات الوطنية والقومية, فما النتيجة التي ستؤول إليها الأوضاع الداخلية لكل بلد? أليست تجربة العراق أعظم شاهد على ما آلت إليه حالة الشعب العراقي المثخن بالمآسي الاجتماعية والاقتصادية والقتل الجماعي المنظم. فالديمقراطية الجديدة التي أرادتها الإدارة الأميركية المتصهينة للعراق أدت إلى تدمير حضارته الممتدة إلى آلاف السنين, ومارست على أرض الواقع نهب خيراته ومقدارته,وقتل سكانه, وتركته نهبا للأمراض والانحراف والفساد والفتنة والاحتراب الطائفي والعشائري والمذهبي والعرقي, إذ أصبح القتل حالة يومية يألفها الناس, لا يماثلها إلا ما يجري من الكيان الصهيوني في فلسطين, علماً أن الذي جرى ويجري في السودان والصومال ليس بأقل خطراً مما يجري في العراق وفلسطين.
ولهذا كله فإننا ندعو- بكل صراحة وجرأة- أولئك الذين ماتت ضمائرهم أو باتت في حالة سباب عميق وفي آن معاً ندعو أولئك الأحرار من الوطنية, إلى إنضاج تجربة الحوار الوطني في لبنان وفلسطين والعراق والسودان والصومال على أساس من إيجاد ميثاق وطني تشارك فيه جميع الأطراف الفاعلة على ساحات الدول المعنية.
وعليها أن تتوجه جميعها إلى فضح الممارسات البشعة لقوى الشر وعملائها في الداخل والخارج, وخلع القناع المزيف عن الوجه البشع الذي تمارسه الإدارة الأميركية التي تتدخل في لقمة عيش كل مواطن عربي, تحت مسميات الديمقراطية وحقوق الانسان.
ومن ثم فإن كل مسؤول موضوعي ومنفتح بينه وبين أرباب التيارات الفكرية والسياسية الأخرى حر وشريف في ديار العرب, يريد الخير لوطنه وأمته, يجب أن يلتزم بحوار مهما كان الخلاف معها, وإلا فإنه سيكون أتونا لحرق كل ما هو خير في هذه الأرض الكريمة, لهذا نقول: نعم للحوار ولا للاحتراب, ولنا من قوله تعالى أفضل هاد :(ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). ولا تعي هذا الكلام إلا إذن واعية, ومن لم يستفد من عبر التاريخ كتب عليه تكرارها.