إن وزير الخارجية هو وجه أميركا للعالم, وسنري العالم بوجود رايس, القوة, والوقار والكياسة لبلادنا). (الرئيس بوش مرشحاً ومادحاً رايس لمنصب وزيرة خارجية أميركا في 16/11/2004).
(لنعاقب فرنسا, ونتجاهل ألمانيا, ونسامح روسيا) (كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأميركي عن كيفية التعامل مع الدول الأوروبية الكبرى التي عارضت الحرب على العراق عشية الحرب 2003).
سقطت جميع الرهانات من الذين اعتقدوا ومنوا النفس بأن إدارة بوش الثانية ستتعلم من الأخطاء, وستسعى جاهدة للمصالحة مع النفس والعالم, و تميل إلى الاعتدال والوسطية, وأول الغيث من المواقف والتشكيلات والبيانات والتصريحات لا يبشر بالخير, بل على حد قول سياسي أميركي: علينا أن نتوقع المزيد من النهج نفسه.
القلق من نتائج السياسات الخارجية الأميركية, قد لحظه الرئيس الفرنسي جاك شيراك بقوله لدى زيارته الأخيرة إلى بريطانيا: (إن غزو العراق جعل العالم أكثر خطورة. وأيضاً في تعقيبه على رأي أن بإمكان بريطانيا أن تلعب دور الجسر بين أوروبا وأميركا إذ قال: (لست متأكداً بأنه سيكون من السهل على جهة ما, حتى لو كانت بريطانيا, أن تكون وسيطاً نزيهاً, مع بقاء أميركا على ما هي عليه في الوقت الحالي).
كانت تصريحات (شيراك) والتي عبرت عن حقيقة الاتجاهات العالمية إزاء صورة أميركا المتدهورة, صدمة بالغة لمعسكر (حرب الإرهاب) الدائمة في أميركا وبريطانيا, ويمكن القول دون مبالغة: إنها عبرت عن اتجاهات شعوب متعددة في القارة الأميركية وأوروبا وآسيا وإفريقيا, وهذه الاتجاهات بكل بساطة تتبلور حول حقيقة واحدة مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية أصبحت هي المهدد الأساسي للأمن العالمي.
ما يكشف عن صدق هذا الحكم أن الرئيس بوش الذي نجح في ولايته الثانية -طبقاً للقواعد الديمقراطية المعلنة- بأصوات تزيد قليلاً عن نصف الناخبين الأميركيين المشاركين, صرح قائلاً: إنه أصدر أوامره لأركان إدارته للعمل على إسقاط النظام الإيراني, وهذا الأمر الرئاسي بعيد إنتاج سيناريو غزو العراق تماماً, فقد بدأت منذ فترة حملة أميركية للتحذير مما يسمونه خطر التسلح النووي الإيراني, باعتباره يهدد السلام العالمي, وفي المقام الأول يهدد الأمن القومي الأميركي, أو بمعنى أدق الأمن الإسرائيلي, وكما حدث تماماً في سيناريو العراق محاولة حشد التأييد الدولي, وتجنيد مجلس الأمن لاستصدار قرار يدين إيران ويحذرها ويهددها بالعقوبات المناسبة, ما يسمح للولايات المتحدة الأميركية بالتدخل العسكري فيما بعد, وفي القائمة الأميركية من دول محور الشر أو الدول المارقة, ومعنى ذلك أن الشعار الأميركي الذي اكتشفه الروائي الأميركي الشهير (جورفيدال) في كتابه المهم بعد 11 أيلول وهو (حروب دائمة من أجل سلام دائم) هو الذي يسيطر للأسف على عقل الإدارة الأميركية بأركانها المهووسين بفكرة الإمبراطورية الأميركية الخالدة التي لا معقب على قراراتها.
وضمن ما ابتدعه بوش أنه حدد دولاً بعينها هي إيران والعراق ,وكوريا الشمالية, ودولاً أخرى محالفة لها, أسماها بدول (محور الشر), وقال: إن هذه الدول تمثل خطراً بالغاً على أمن الولايات المتحدة والعالم بأسره, لقدرتها على استخدام أسلحة الدمار الشامل, أو إيصال ما لديها من أسلحة إلى أيدي مجموعات إرهابية وهكذا يكون هذا المبدأ قد فاق كثيراً مبدأ (الاحتواء المزدوج) الذي كان قد ابتكره الرئيس السابق بيل كلينتون.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية التفتت مؤخراً إلى اهتزاز صورتها في عيون شعوب العالم, ومن ثم اندفعت للقيام بحملة واسعة للدبلوماسية الشعبية الأميركية لإقناع الجماهير في العالم بروعة القيم الأميركية وفي مقدمتها الديمقراطية, وبسلامة مسلكها في العراق, وصحة تأييدها لإسرائيل العنصرية في فلسطين, فإن هناك تساؤلات شتى حول مدى نجاحها في مسعاها.
ومن المعروف أن أميركا هي التي ابتدعت فن وعلم العلاقات العامة, ولكن هل يمكن بنفس الطريقة استغفال الشعوب من خلال دبلوماسية تحاول (بيع) صورة إيجابية لأميركا.
إن صورة الجندي الأميركي الذي يوجه مدفعه الرشاش إلى رأس جريح عراقي في الفلوجة لكي ينهي حياته, أبلغ في التعبير عن القيم الأميركية من أي خطة أو مقال أو كتاب أو محاضرة, وكذلك الحال بالنسبة لما حدث في سجن (أبو غريب), والواقع أن هذا السلوك الهمجي من قبل الجيش الأميركي ليس جديداً, بل يمكن القول إنه من التقاليد العسكرية الأميركية العريقة! ويكفي بهذا الصدد أن نتذكر الغارات الهمجية التي شنها سلاح الجو الأميركي على القرى والمدن في حرب فيتنام.
وعليه, ليس من المستغرب والحالة هذه أن تأتي نتائج الحرب العالمية على (الإرهاب) لتعكس الإفلاس السياسي والانحطاط الأخلاقي معاً لمنظريها ومخططيها وممارسيها.
فبالرغم من مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة ولا تزال تنفقها مع حلفائها من الدول الصناعية للحد من (الإرهاب العالمي), لم يتقلص حجم التهديدات الناشئة عن (الإرهاب) ولكنه تفاقم كما لم يحصل في أي حقبة سابقة, والانحطاط الأخلاقي لأن أنصار الحرب العالمية على (الإرهاب) يجدون أنفسهم مضطرين إلى القبول بمعايير سلوك كانوا قد جعلوا من وضع حد لها المبرر الأخلاقي للحرب, وتشعر قطاعات متزايدة من الرأي العام العالمي بأن حرب (الإرهاب) تقود على نحو متزايد إلى القبول بانتهاكات الحقوق الإنسانية, وتبرير ممارسات لا أخلاقية ولا إنسانية سواء ما تعلق منها بالقتل الجماعي والتمييز العنصري أو التلاعب بالقانون الذي كان من الصعب السماح بها من قبل.