في واقع الأمر لا يمكن أن نجد جواباً يجسد الحقيقة التي ينبض بها الشارع لدى الحكومة العربية, فبعض المسؤولين العرب مبدعين في تصوير الواقع خلافاً لما هو عليه تماماً كما هم بارعون في التهرب من مسؤولياتهم وتصوير إخفاقاتهم على أنها إنجازات.
السؤال المهم في ضوء هذا التردي العربي الذي يستحق أن يدخل سجل غينس للأرقام القياسية هو: هل يدري الحكام العرب الى أين يسيرون بمجتمعاتهم ومستقبل دولهم..?
فإذا كانوا جاهلين بالمستقبل الذي ينتظر أمتنا العربية إذا ما بقيت مواقفهم على هذا النحو فالأمر مصيبة وإذا كانوا عالمين بمصيرهم المحتوم وغير قادرين على فعل شيء فذلك بمثابة الكارثة.
المشكلة إن جميع الحكام والمسؤولين العرب يتفقون على أن الأمة تمر بمرحلة حساسة وخطيرة وهي مهددة بمستقبلها ووجودها ولكن بنفس الوقت يتصرف الكثير منهم وكأن الأمور ليست خطيرة الى الدرجة التي يصورونها في تصريحاتهم ليبدو الأمر كأن معظمهم بعيد عن الواقع ..
فالعمل العربي المعدوم يقابله تخريب متعمد من جانب البعض لجهود صادقة تبذل هنا وهناك للحفاظ على مستوى معين من التماسك ولمنع الاندثار المتواصل للثوابت ووصل الحد ببعض المسؤولين العرب حفاظاً على مواقعهم الى درجة المساومة مع الأعداء على مستقبل نظرائهم ومن هذا المنطلق لم يعد حديث البعض عن علاقات سرية مع اسرائيل من المحرمات بل بات هؤلاء البعض يصورون هذه العلاقة على أنها مثيرة..
مشاهد الإخفاق توزع في كل مكان والمخاوف من المستقبل القادم قاسم مشترك بين العرب والاحساس بالخطر يمكن مشاهدته بصورة واضحة ومعبرة في الضياع الذي يطغى على غيره من الافرازات الأخرى ومع ذلك يتواصل الخمول في الجسد العربي الذي يتعرض لهجمة منسقة ومضبوطة بدقة ويستمر التراجع على جميع المستويات لتبدو الأمة وكأنها تحفر قبرها بأياديها.
نعود لنقول أين المشكلة..? هناك من يزعم بأنها بنيوية وعميقة وآخرون يجدون في تحميل الآخرين مسؤولياتها فرصة للتخلص من عناد البحث عن حلول عنها تخوفاً من أن تطيح بهم وبمصالحهم وأيضاً هناك من يلقي بالمسؤولية على الحكام والمسؤولين العرب الذين يختصرون الدولة والمجتمع بسلطتهم وقراراتهم على حساب المؤسسات والعمل الجماعي المتكامل..الخ وينتهي الأمر بالباحث عن جوهر المشكلة بالوقوع في دوامة الأمراض المستفحلة التي تعاني من تفاقمها مجتمعاتنا العربية منذ عقود من الزمن.
السيد الرئيس بشار الأسد دق ناقوس الخطر في حديثه لصحيفتي حرييت وصباح التركيتين بقوله في توصيفه للأوضاع في المنطقة بعد احتلال العراق وتوقف عملية السلام (إننا في هذه اللحظة في وسط النار تماماً)
فالتشخيص شديد التعبير عن حقيقة الواقع الذي تمر به الأمة العربية والمشكلة التي لا يعيرها العرب الاهتمام اللازم هو استمرارهم بالتعاطي مع الظروف والمستجدات الاقليمية والدولية بنفس الأساليب التي كانت سائدة أيام الحرب الباردة رغم إدراكهم التغيير الجذري الذي آل إليه العالم والضرورات لإعادة النظر بهذه السلوكيات عديمة الفائدة في ظل التطورات العالمية المتسارعة وتربع الولايات المتحدة على العرش العالمي وتصرفها كامبراطورية تنشر الفوضى والخوف والحروب في العالم.
فالإيمان العربي بالعمل المشترك يلفظ أنفاسه الأخيرة وباتت القمم العربية في السنوات الأخيرة عامل انقسام بدلاً من عامل وحدة وتوحد,وعملت قوى الهيمنة على تحويل هذه القمم الى منابر لإثارة الخلافات ووقع العرب في هذا الفخ الذي نصب لهم بعناية فائقة كما وقعوا في أفخاخ أخرى أدت الى تحويل العديد من المناطق العربية الى مراكز لتجمع جيوش الأعداء والطامعين بتدمير أمتنا ومنعها من النهوض والاستمرار باستنزاف ثرواتها وطاقاتها.
طبعاً الصراع العالمي على منطقتنا يسهم في تردي أوضاعنا, والتسهيلات التي يقدمها بعض المسؤولين أو الحكومات العربية تسهل المهمة لهؤلاء وتجعل من أراضينا ساحات للصراع بين القوى العظمى, والواضح أن هذا الواقع أصبح جزءاً من سياسات بعض الأنظمة العربية التي تبرر اختيارها لهذا النهج في مواجهة التحديات والتهديدات بعدم القدرة على التصدي لها.
إن المشكلة الأساسية تكمن في التعاطي العربي مع الأوضاع والتطورات اللاحقة من زوايا ضيقة جداً يشكل فيها الهم بالاحتفاظ بالسلطة الحيز الأساسي فيما باقي المحاور الأخرى لا تحظى بالاهتمام المطلوب على الرغم من كونها تشكل جوهر الموضوع وما يمكن أن ينتجه من ظروف ومعطيات جديدة لاتصب في مصالحنا الوطنية والقومية.
ظروفنا العربية صعبة ومعقدة جداً والمشكلات التي نعاني منها تتراكم وتتزايد ومع ذلك نظرتنا للمستقبل قاصرة واستراتيجيتنا لمواجهة الأخطار المحدقة بنا ضعيفة ومفككة.
من هذا الواقع يجب أن ننطلق أو نتهيأ بوقف التدهور والتردي وأي تجميل لهذه الصورة القائمة يسهم في وضع المزيد من العراقيل والعقبات أمام المحاولات الرامية لإحياء وإنهاض هذه الأمة من جديد.