لقد تعلمنا في الكتب المدرسية وفي وسائل الإعلام أن هناك متحفين فقط هما المتحف الوطني والمتحف الحربي ,ولم يكن اسم هذا المتحف محفوراً في ذاكرتنا ولا أحد يعلم عنه شيئاً رغم أنه يجسد ذاكرة الوطن الطبيعية بما فيها من خيرات صنعها الإنسان على مر العصور وبما فيها من كائنات حية نباتية وحيوانية.
ورغم أنه لا يبعد أكثر من مئة متر عن وزارة الزراعة فهو منبوذ على مر السنين من أصحاب القرار فيها ,وكأنه ابن غير شرعي ولم يتذكر أحد من السادة الوزراء أن هناك جوهرة يمكن أن تعكس التطور الحضاري للزراعة السورية منذ أن كانت أول موطن للزيتون والقمح وعشرات الأصول الوراثية النباتية والحيوانية وانتهاء بالصادرات الزراعية والفائض الذي أذهل العالم.
تصوروا أن شركة ساعة (أوميغا) تفتخر بمعرضها وتحرص على اقتناء منتجاتها القديمة بأسعار خيالية لتضعها بالمعرض وقس على ذلك كل الشركات العريقة.. فكيف الحال بدولة وأهمية أن يكون لها معرض طبيعي يحاكي الحياة والتاريخ منذ البدايات وحتى اليوم.. وكل مدينة فيها حدائق للحيوانات والنباتات وفيها متاحف لها لتكون متاحة للجميع يتعلمون من خلالها البيئة التي يعيشون فيها ليحافظوا عليها ويندمجوا معها.
المهم إننا توجهنا إلى المتحف الزراعي الذي يقع في حي الحلبوني خلف محطة قطار الحجاز لنحاول أن نكتشف المجهول.. فماذا كانت النتيجة?
لماذا المتحف الزراعي?
وبداية.. ننطلق من الفكرة ومن التأسيس الذي يعود أيام الوحدة مع مصر حيث صدر القرار عن نائب رئيس الجمهورية برقم /190/ تاريخ 21/5/1961 وسمي وقتها (متحف دمشق الزراعي) وهو يتبع لوزارة الزراعة وكانت الغاية منه ما يلي:
1- إبراز النشاط الزراعي على اختلاف أنواعه وبيان تطور الزراعة منذ القديم وحتى وقتنا الحاضر.
2- إبراز مختلف نواحي الإنتاج الحيواني والعوامل المؤثرة فيه: أصناف الحيوانات المختلفة- علاج الحيوانات- التسويق والإرشاد البيطري.
3- إبراز مختلف النواحي الزراعية المؤثرة في حياة وإنتاج النبات, وعلى الأخص عوامل البيئة النباتية والعمليات الزراعية المختلفة والآفات الزراعية وطرق مقاومتها والإرشاد الزراعي.
وللمتحف هدفان: الأول ارشادي لتعريف المواطنين بالإنتاج الموجود في القطر والثاني توثيقي للنباتات بأنواعها ومواقع زراعتها وكذلك للحيوانات بمختلف أنواعها وأماكن وجودها.
وبالتالي يفترض أن يكون المتحف مزاراً للجميع للتعرف على التنوع الحيوي والتطور الزراعي والريفي وبذات الوقت مركزاً علمياً للدارسين والباحثين فبعض النباتات والحيوانات تنقرض أو تكون نادرة وقليلة المشاهدة.
وفوق ذلك فهو يؤرخ للحياة الزراعية بكل مراحلها بما فيها رصد التطورات الجارية واستنباط الأصناف الجديدة التي تسهم في تطور الأبحاث الزراعية وتزيد الإنتاج..
إهمال شديد
مديرة المتحف المهندسة الزراعية سامية ديوب
كانت صريحة بحديثها عن الإهمال الشديد لرعاية هذا المتحف رغم حماسها وحماس الطاقم الذي يعمل معها وغير أنها أصيبت بخيبة أمل على مدار السنوات الأربع الماضية التي تولت فيها هذه المهمة ,والسبب عدم تجاوب مدير الإرشاد الزراعي السابق مع أي مطلب ضروري لتطوير المتحف..
فالكادر الشاب بحاجة إلى تدريب ونشاط لجمع العينات وتجفيفها وحفظها وزيادة المتاحف المشابهة والجامعات ومراكز البحث العلمي الزراعي والريف لتجديد محتويات المعرض التي أتلف القسم الكبير منها
وقالت: لدينا طموح كبير للتعاون مع الجامعات ومديرية الآثار والمتاحف والجمعيات الأهلية البيئية وحتى المواطنين وأصدقاء المتحف الذين يندفعون للحفاظ عليه ليبقى مزدهراً ,غير أن الامكانيات الحالية ضعيفة فلا موازنة لتجديد البناء وهو على مساحة 300 متر مربع ولا هاتف مباشر ولا سيارة حتى المستخدمين غير موجودين فتضطر مديرة المتحف مع زملائها إلى تنظيفه باستمرار وهو نظيف وجميل وقاعاته ذات ارتفاع شاهق يناسب فكرة المتحف.
وطموحات..
وأوضحت المهندسة سامية أن المتحف مر بمراحل ازدهار لكن ينقصه الرعاية وقد حصل على جوائز وميداليات للأعوام 976- 977- 1978 من خلال اشتراكه بمعرض دمشق الدولي وعرض طيور محنطة وحيوانات نادرة وكذلك اشترك بمعرض التوثيق عام 2002 وغيره من المعارض غير أنه تراجع لدرجة مذهلة وكانت معروضات كثيرة وضعت على السقيفة وأتلفت نتيجة الرطوبة, وهناك معروضات جيدة ولا شك لكن القسم الأكبر أصبح تالفاً وغير صالح للعرض ونريد بدائل.. ويفتقر أيضاً للنباتات المجففة.
وأضافت: لدينا أفكار كثيرة لكن يلزمها التمويل والدعم من قبل الوزارة ومديرياتها ولو كل مديرية ساعدتنا بقسم من المعروضات لأصبح المتحف متطوراً ولا سيما مديرية الحراج ومثلاً دورة الحرير (القز) والنحل يمكن تزويدنا بكل أدواتهما ومستلزماتهما لعرض دورة الحياة.
وكذلك يمكن أن تكون النباتات الحية الداخلية تزين قاعاته والناعورة مثلاً يمكن تشغيلها ووضعها ضمن بحرة ماء لتدور وتعطي حيوية حياة لهذا المتحف ليصبح متحفاً ناطقاً يجذب طلاب المدرسة والمواطنين على اختلاف أعمارهم ومهنهم.
وقالت مديرة المتحف: إننا بحاجة من جديد إلى إعادة تنظيم المتحف وتأسيسه واستغلال المساحات الكبيرة ولا سيما الشرفة على الجهة الشرقية المطلة على محطة الحجاز.
أقسامه
وخلال جولتنا بالمتحف لاحظنا أنه متسع ونظيف ويضم سبع قاعات ويتألف من عدة أجنحة تجسد واقع القطاع الزراعي وتعبر عن الحياة الريفية في شتى المجالات.
ويلاحظ في القاعة الرئيسية حيوانات وطيور محنطة ومنها: النسر الأفريقي والنسر الأقرع والبجعة وطائر العقاب وأبو سعد واللقلق وآكل النمل وذئب وينص
وفي وسط القاعة مجسم لمعصرة زيتون قديمة متكاملة وهناك ناعورة.
وفي قاعة أخرى لاحظنا جناحا خاصا للحيوانات المائية فيها عدة أنواع من الأسماك محفوظة بالفورمول وهناك سلحفاة بحرية بحجم كبير قريب من حجم الخاروف وجناح للنحل ودودة الحرير (القز)
أما قاعة المكتبة فهي مليئة بالكتيبات والمجلات والمطويات التي يصدرها الإرشاد الزراعي للفلاحين لتوجيههم بكافة المحاصيل والأشجار ورعاية الحيوانات مثل الحمضيات والزيتون والقطن والبادية والماعز والأبقار والنحل وغيرها.
اقتراحات
أخيرا: لابد من تسجيل بعض الاقتراحات وأهمها نقل هذا المتحف إلى معرض دمشق القديم ضمن إطار إعادة تأهيل المعرض يصبح متحفا متكاملا ضمن حديقة فيها كائنات حية من طيور وحيوانات ونباتات..
ولابد من إعطاء الأولوية بالمتاحف الطبيعية ليكون هذا المتحف للمنطقة الجنوبية ومتحف آخر للمنطقة الوسطى والبادية في حمص وثالث متحف للحياة البحرية في اللاذقية ورابع للمنطقة الشمالية وخامس للجزيرة وبذلك تصبح هذه المتاحف جزءا من صورة سورية الحضارة وسورية المعاصرة ولامجال هنا لذكر أهمية المتاحف العلمية والتثقيفية والترفيهية في حياة الشعوب.
وفي جميع الأحوال, لابد من الإسراع بتطوير المتحف بمقره الحالي وتغيير دوامه أسوة بالمتاحف الأخرى ليتسنى للجميع زيارته, ولابد من دعاية مكثفة له ولاسيما في المدارس والجامعات ابتداء من طباعة بروشور خاص به.. فهل نفعل ذلك?