تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


النظام المساحي السوري راشدٌ.. ويستطيع تقديم خبرته للآخرين

تقارير
الخميس 17-6-2010م
المهندس: صريح البني

ربما أخطأنا في طريقة تناولنا مهمة التحديث المساحي المطروحة منذ أكثر من ربع قرن. فعندما كنا نشير إلى حلقات الضعف في نظامنا المساحي( خصوصاً في جانبه العقاري)، ونقترح دراسة تجارب البلدان الأخرى، كنا نؤسس لنظرة غير واقعية، شبه سائدة اليوم، تنبهر بما يفعله الآخرون، وتقزم تجربتنا الوطنية!

لم ننتبه إلى الكيفية التي ستفهم بها دعوة التطوير الضروري، بوصفها بناء فوق ماهو قائم وانتقال إلى السوية المتاحة. هذه المهمة نفذتها أو تنفذها جميع البلدان الأوروبية والعديد من دول الجوار، انطلاقاً من شروط فنية ليست دائماً أكثر تطوراً مما لدينا. فالانتقال إلى استخدام المعلوماتية والتقنيات الالكترونية والفضائية والليزرية ليس انقطاعاً مع ما بناه الأسبقون، وإعادة تأسيس للنظم المساحية (وغيرها) من سوية الصفر، إنها توظيف عقلاني للأدوات المتقدمة في صلب هذه النظم لكي تلبي احتياجاتنا المعاصرة بفعالية أكبر. وهي مهمة تحمل معها صعوبات معينة ( وأحياناً خلافات حادة في الرؤية الهندسية) بيد أنها صعوبات قابلة للتجاوز .‏

خلال السنوات الخمس الأخيرة زارتنا وفود مساحية، من عدة دول أوروبية مجاورة.‏

قدموا لنا نصائحهم وخبراتهم، وفيها الكثير مما نستطيع أن نستلهمه لتصويب مساراتنا القادمة. ولكنني تساءلت ، بعد العرض الشيق عن التجربة المساحية الإيرانية، الذي قدمه مدير عام المؤسسة العامة للمساحة في إيران ( المرافق للسيد نائب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، في زيارته الأخيرة لدمشق):‏

أليس لدينا إنجازات مساحية سورية، نعرضها على الإخوة الإيرانيين ( بالطبع: ليس عليهم حصراً)؟‏

دون ريب! وإليكم بعض تلك الإنجازات:‏

- النظام العقاري السوري ( رغم عجزنا عن تحديثه ،حتى الآن): فقد تحقق الجزء الأكبر من مهمته الرئيسية، تأسيس البنية الحقوقية والهندسية لحماية ملكية الدولة والمواطنين وفق الدستور . لولا أعمال التحديد والتحرير المنجزة ، لما توفرت بين أيدينا وثائق تكشف حوادث الاعتداء على الملكيات، وخصوصاً العامة. مثل هذه الاعتداءات تمنعها تدابير إدارية واجتماعية وتنظيمية، أبرزها اختيار صائب لمن يديرون هذه الملفات الشائكة، بطبيعتها..‏

بكل احترام نقدر هؤلاء العاملين من القياسين الذين يساعدون في استخدام الأدوات المساحية البسيطة إلى الفنيين والمهندسين والقضاة ومديري الدوائر المساحية والسادة المديرين العامين الأسبقين للمصالح العقارية، أي لكل الذين عملوا بنزاهة وأمانة، أخلاقياً وقانونياً وهندسياً، طابعين بسلوكهم النظيف التاريخ الأساسي للمساحة العقارية السورية .‏

- تغطية البلاد بمخططات من المقاييس الصغيرة والمتوسطة وبشبكات جيوديزية أفقية وشاقولية، نفذتها بإتقان مشهود المؤسسة العامة للمساحة ( إدارة المساحة العسكرية سابقاً).‏

- إنشاء مخططات طبوغرافية ورقية من القياس الكبير التفصيلي 1/1000 والانتقال إلى إعدادها بالصيغة الرقمية، لجميع المدن والبلدات والكثير جداً من القرى الكبيرة والمتوسطة وحتى الصغيرة. يتعلق الأمر بمئات آلاف الهكتارات من المساحات المأهولة، التي اشتغل على رفعها الطبوغرافيون السوريون ، في الظروف الصعبة التي تميز أعمال الريادة وشق المسارات أمام كل نشاط بشري.‏

هذا الانجاز مهم جداً ليس فقط بمعايير الدول الراغبة في التقدم، وإنما أيضاً بمعايير البلدان الناضجة، مساحياً. ساعد في تحقيق هذا الإنجاز عوامل عديدة أبرزها: تطبيق القوانين المتعلقة بالإدارة المحلية والاتجاه نحو تهيئة مخطط طبوغرافي تفصيلي لكل تجمع سكاني، تمهيداً لوضع مخطط تنظيمي له ثم مشاريع إنارة الريف واستصلاح الأراضي ومشاريع البنية التحتية. فكل هذه المشاريع تتطلب أعمالاً مساحية ذات حجوم كبيرة .‏

يمكننا التأكيد أن كثيراً من الدول الأخرى لم تكن لديها الأولويات ذاتها، لأسباب عديدة.. وهي لم تخصص في ميزانياتها المبالغ الكبيرة التي سددتها الخزينة السورية لقاء الأعمال المساحية القاعدية لمشاريع التنمية وتنظيم التجمعات السكانية وتطوير البنى التحتية .‏

لقد نفذنا أعمال المسح الطبوغرافي بآلية مطابقة للآليات المعتمدة عالمياً، ولم نتأخر في الالتحاق بتجربة التحول إلى إنتاج المخططات الرقمية .‏

ثمة دول تضع الآن مخططات طبوغرافية بمقياس 1/2500 أو أكبر لمدنها الرئيسية. أقترح التعاون معها في هذا المجال، الذي تميز فيه الفنيون السوريون، مقابل ما تقدمه لنا، في مجالات مساحية أخرى.‏

- شهدت السنوات العشرون الأخيرة حوارات هندسية غنية في الندوات المساحية التي نظمتها نقابة المهندسين، ومثل هذه الحوارات كان في جانب منه، تواصلاً مع التجربة العالمية المتطورة، أي أننا لم نكن منعزلين عن هذه التجربة. لقد قدر المساحون العرب دعوة نقابة المهندسين السوريين لتحقيق التنسيق المساحي العربي ( ربما نضيف له الآن: التنسيق المساحي الإقليمي) ونشطت جامعة الدول العربية في تبني وتنفيذ هذه المبادرة السورية .‏

- كان صدور القانون القاضي بفك ارتباط المديرية العامة للمصالح العقارية بوزارة الزراعة وإلحاقها بوزارة الإدارة المحلية، خطوة شديدة الأهمية في خلق أحد الشروط التشريعية الأهم لتطوير النظام المساحي السوري من خلال دمج الجهات المنفذة للمسح العقاري والطبوغرافي، بالمقاييس الكبيرة .‏

لقد بدأت التباشير الإيجابية لنتائج هذا القانون بالظهور، ولكنها لن تكون سهلة ولا سريعة. وتشارك نقابة المهندسين فنيي الوزارة عملهم لتطوير آلية توحيد المخطط الطبوغرافي والعقاري كأساس لأنظمة المعلومات العقارية والجغرافية .‏

إننا نتمنى للسيدين وزير الإدارة المحلية الدكتور المهندس تامر الحجة ومعاونه لشؤون المصالح العقارية المهندس لؤي خريطة النجاح في مهمتهما الشاقة .‏

- بيد أن أحد أبرز النجاحات الحديثة للنظام المساحي السوري، هو وضع دفتر شروط فنية لإنجاز المسح الطبوغرافي والعقاري، معاً، في وقت واحد، وذلك في المناطق الخاضعة للقانون 33 المتعلق بمناطق السكن العشوائي.‏

أبعد من المجال المساحي:‏

كانت الملاحظات التي أبداها السيد رئيس الجمهورية في حواره مع مجلس نقابة المهندسين المنتخب، مؤخراً، محفزة لاستنهاض الهندسة السورية. فلكي نفعل قدراتها، نحتاج أن نؤسس رؤية موضوعية، واثقة أكثر بكفاءتنا وخبراتنا، غير المتخيلة. فما أنجزناه، في مختلف الفروع الهندسية، كبير وعظيم.‏

وفي مجال الهندسة المساحية، فإن جميع الإنجازات التي أشرت إليها، وخصوصاً منذ منتصف الستينيات، كانت من إسهام المهندسين والفنيين السوريين ، دون أي مشاركة أجنبية.‏

ولعل من الضروري جداً، عند رسم مشاريع التحديث الهندسي في أي مجال، أن ننطلق:‏

أولاً: من المعرفة الدقيقة لما هو متوفر لدينا من خبرات، وتشجيعها على الإسهام في تنفيذ تلك المشاريع، وحصر الاستعانة بالخبرات الأجنبية في حدود ما لا يمكن الاستغناء عنه، مع تشجيع مشاركتنا في المنظمات الدولية الهندسية واستضافة مؤتمرات بعضها في سورية، لنبقي مطلعين على التقدم العالمي، ومساهمين به.‏

وثانياً: من خلق شروط أفضل للتعاون المتوازن مع الآخرين، بحيث نتبادل الخبرات معهم، أخذاً وعطاءً، دون هدر الفرص التي تفتحها مشاريع التنمية الوطنية أمام مهندسينا، متخلصين من عقدة الاستخفاف بالذات .‏

وثالثاً: من تأسيس شركات هندسية كبيرة، بمساهمة الرأسمال الوطني . أي الانطلاق نحو مقاييس العمل الهندسي الواسع، متخطين المرحلة «الحرفية»، التي امتدت أكثر مما ينبغي، شاملة كل القطاع الهندسي الخاص. إن نظام الصندوق المشترك قد يضمن بعض العدالة الاجتماعية، في صفوف المهندسين ، بيد أنه لا يفتح آفاق نهضة حقيقية للهندسة السورية .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية