كيف ما كان! ونام بعين الشمس .كسر الصفرة، في البيت. صفحة لبن غنم رائب. غداء في حوالي الساعة العاشرة، في الحقل. بيض مسلوق بالزبدة الطرية. بخبز الصاج على المدخن، بطواحين الدبوسية، في الجانب اللبناني بطواحين وادي الغمقة. تحت برج صافيتيي شمالا. العصرية بين الساعة الواحدة والثانية. متبلة القمح المقشور بالعيران. يفرم فيه الخيار بالثوم!
العشاء، على سطح البيت .حيث ينام الحاصود وأهل البيت، تحاشيا للعقارب. هي الأخرى تخرج مع هبات نسيم الليل، من تحت، تلزيق حيطان البيت من الداخل، بروث الأبقار والجواميس، كما تقدم!
العشاء، ليس خفيفا-حيا الله. بل هو البرغل، مسامير الركب، في قول أهل حوران. أو هو عمد البيت، في قول عقيل، مختار قرية نحلة، من حول بعلبك! وتمام الشرط اليومي، حتى للحاصود وراءه لاقوطة، أكلها على مداخلة الزرع كمثله. ولكن بنصف أجرة!
وأنا ، في مداخلة شخصية، بعنوان«أيام بلا سقف»، على الحلقة 91، في «إلى من يهمه الأمر» والحلقة 89، في أودية عبقر... من تحت جبال الأنبياء؟« بما اتخذت الحصاد، الموسم الأول، في قول بعضهم لبعض:« شو بدك تعيش عمر الحنطة والشعير!» أول ما ذكر الشعير والعدس« في » من ألواح سومر-بلا الحنطة. فيما انتهى إليه مجرى دجلة دجلة والفرات. في تلك القرنة من جنوب- شرق العراق. بمجتمع سماوي. تأنسن، على الأغلب، بالفلاحة والزراعة وتربية الأبقار، خدمة للآلهة. ومن ثم «هاروت وماروت» في وادي الرافدين!
أنا في مداخلة شخصية« أيام بلا سقف» الرواية التالية لمخطوط« البقرة تنشد ثورا..»اتخذت من حاصود الساحل، وراءه لاقوطة-بنصف أجرة، في ظرف معين. هي الحرب العالمية الأولى. لم أعلم من أمر تلك الحرب، إلا ما أخذ أبي يحكيه. كيف صودر من فراش زواجه الثاني الضروري من أمي. ليقضي شهر العسل، طوال سنة ونصف السنة، في تجمع الجيش الرابع، في بعلبك. وإلا ما كانت أمي تقوله في « أيام. الله يذكرها، ولا يعيدها!» كف نزلت في تلك السنة،1916 الى قرية بحوزة. تنام عند عمتي بلقيس. وتلتقط السنابل.ساقطة بضربة منجل حاصود الساحل، بنصف أجرة .أو بأجرة كاملة . من بين أرجل الطرش والدواب، تطلق في الأرض الحصيد .بما يسمى معيشة. تسبق الطرش والدواب، الى هبش من غمر، أو زرع قائم، خلسة بلسان الحال«لولا الهبيشة، ما سميت معيشة!
وكان في تلك المعيشة-الهبيشة، ما يضحك أو يبكي. ما يرضي، أو يخزي؟ فقد ظل الحصاد، في أرض العلا، معول أهل الديرة الغربية، من الوعر والصلب، غرب حمص وحماة، الى شط البحر. من جنوب طرطوس الى شمال اللاذقية. اهل الضيعة، على ما تقدم، يذهبون الى «شويكي حاصود العلا/وانا وراه غماره..» رجالا ونساء!
ولكن في غير حاصود الساحل، وراءه لاقوطة، بنصف أجرة؟ أو بأجرة كاملة-بلا لاقوطة أسمع أقوالهم راجعين يضحكون ساخرين؟ أو شاكين من حصادهم ذاك من طلعة الضوء إلى مغيب الشمس، في يوم الحصاد الطويل؟ لا أدري. هم صعدوا الى ذاك الحصاد، عبر وادي الغاب. من أوغاريت؟ أو ذاك الحصاد جاءهم من شط سومر، الى ايبلا. ومن ايبلا نزل الى أوغاريت. أو تفرق من ايبلا في أرض العلا، جنوبا الى تدمر . غربا الى حمص وحماة، وشمالا الى حلب.
باعتبار انتشار الفينيقيين. بامتداد الساحل، من عمريت جنوبا، الى بيت البعل في الجبل الأقرع شمالا. وبيت عليان، من فوق طرطوس ، في العمق بين الجبل والساحل!
والى أن تركت العمل، في جريدة الوحدة، بانفصال، سنة 1961. واخترت التدريس في بلدة الدرباسية، نصفها في سورية، والنصف الآخر في تركيا. فقد عجبت، وبعد أن صار الحصاد بالآلة، بحواصيد من حوران، استقلوا القطار من درعا. الى رياق، الى القصير. فحمص وحلب. الى الدرباسية، خط قطار الشرق السريع. وبمن كان بيننا من زملاء، من محافظة درعا في التدريس. رأيت بعض تلك الحواصيد.
جاؤوا الى الجزيرة، ليعملوا على الحصاد بالآلة، كما كانوا يجيئون للحصاد بالمنجل.. (سيلي)