ومن ثم وصولاً إلى حسم الصراع مع كل دولة من تلك الدول غير المتعاونة أو التي تسعى لوقف تعاونها مع واشنطن. في حين أن الحالة هذه مع الصين لها وجه أكثر تعقيداً عنوانه الأكبر استهداف الصين بما يؤدي إلى إضعافها ثم إلى تفكيكها لدول عديدة كدولة التيبت ودولة الايفور / دولة تركستان الشرقية/ ودولة منشوريا ودولة الهان وغيرها في إطار المخطط الأمريكي الذي كشفت عنه مؤخراً استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة التي صادق عليها الكونغرس.
والأمر لم يعد سراً بذلك ،لاسيما لو علمنا أن معظم مراكز الدراسات والبحث الاستراتيجية الأمريكية منهمكة في دراسة العمق التاريخي لأقاليم الصين وبما يتيح لها التعرف أكثر فأكثر على نماذج وممالك الامبراطوريات القديمة فيها التي كانت موجودة في مختلف الأقاليم الصينية، والهدف واضح وهو إذكاء نار الفتنة لدى سكان الصين الحاليين والعصبية القومية الاجتماعية لكل واحدة من تلك الجماعات الاثنية والعرقية والدينية والطائفية الموجودة فيها حالياً إضافة إلى التمهيد لإقامة نخب سياسية لتلك الطوائف كي يتم تدريبها وإعدادها للخطة الحاسمة كي تأخذ دورها في أي قلاقل أو اضطرابات داخلية تحضر لها واشنطن على نار هادئة ايذاناً لاقتناص الفرصة السانحة لإشعالها كي تطالب بالانفصال وبحق تقرير المصير وما شابه ذلك والتي ستجد لمنظمات حقوق الإنسان وحقوق الأقليات ذات الطابع الغربي الأمريكي فرصة مواتية كي تطالب بدعم تلك الأقليات والجماعات الانفصالية الصينية وتقديم العون والدعم لها.
ولعل الخطورة في عبثية هذه الاستراتيجية أن تكون الصين غير عائبة بها وهي التي تجري مزيداً من المساومات كما يبدو وعقدها الصفقات مع واشنطن حيال عدة ملفات كملف إيران وربما ملف الصراع العربي الصهيوني دون أن يكون هناك تنبه لخطورة ذلك إلا بعد إدراك حجم الخسائر والتكاليف الباهظة لمثل هذه المساومات التي بالطبع لن تكون في مجمل نتائجها إلا لصالح الطرف الأمريكي الإسرائيلي الغربي والخاسر الوحيد فيها هي دول منطقة الشرق الأوسط والأدنى ومنطقة آسيا والباسيفيك أيضاً.
وهي المناطق التي تعتبر من أكثر المناطق الغنية بالتفاعلات الاقليمية والدولية أو لنقل المناطق الساخنة بالعالم، إضافة إلى منطقة القوقاز وهاهي حالة الحرب الجديدة القائمة بين شطري كوريا تؤكد الخطر المرتقب لأي فتيلة انفجار ولاسيما إذا علمنا أن ما تشهده اليابان من توتر في ملف علاقاتها مع واشنطن بسبب استمرار وجود القواعد الأمريكية العسكرية في اليابان سيجعل حالة القلق والمخاطر قائمة في هذه المناطق وقابلة للانفجار فيها هي في حالة ازدياد وليس انحساراً. و كل يوم جديد تشهد تلك المناطق مزيداً من التطورات والتوترات والخلافات التي تدفع باتجاه خيار سيناريوهات حرجة للغاية لمرتسمات الصراع فيها والتي دون شك سيكون الطرفان الرئيسان فيها الصين وواشنطن .
في حين أن الأطراف الأخرى كاليابان وأستراليا والفلبين وكوريا الجنوبية هي أطراف ثانوية لجهة اصطفافها إلى جانب خيارات النفوذ الأمريكي في أسوأ الاحتمالات.
لقد سعت الإدارة الأمريكية الحالية كما الإدارات الأمريكية السابقة إلى التعامل بحساسية فائقة مع منطقة الجنوب الآسيوي ومع الصين على وجه الخصوص وتتمثل في السعي الأمريكي لإقامة المزيد من القواعد الأمريكية ونشر الأساطيل البحرية في المناطق المواجهة للصين إضافة إلى الممرات البحرية ذات الأهمية الفائقة لحساسية الحركة الملاحية فيها الموازية للصين مثل ممر ملقة البحري إضافة إلى سعي هذه الإدارة الأمريكية كغيرها من الإدارات الأمريكية لعقدها الاتفاقيات الاستراتيجية من عسكرية وغيرها مع الهند وكوريا الجنوبية والفلبين وباكستان وهي بالطبع جميعها دول مجاورة للصين التي تبقى في نظر الاستراتيجية الأمريكية الدولة الوحيدة التي تهدد مستقبل أمريكا في العالم. ومثل هذه الاستراتيجية الأمريكية هي التي تعطي الأولوية القصوى لضرورة تأمين مصالح الأمن القومي الأمريكي في منطقة آسيا والباسيفيك والتأكيد على الدبلوماسية الوقائية بما يتيح دفع حلفاء أمريكا في هذه المناطق باتجاه تهديد الأمن القومي للصين .
كما عمدت أمريكا في هذا السياق إلى الضغط على الدول سواء العربية أم المحيطة بالصين وإلى إضعاف روابطها مع بكين وهذا الأمر ليس مقتصراً على تلك الدول فقط بل إن واشنطن تمارس ضغوطاتها على الكثير من الدول الأخرى كدول الخليج العربي ودول الاتحاد الأوروبي من أجل تقليل معدلات مبادلاتهم التجارية مع الصين وذلك على النحو الذي يقلل من انفتاح ونمو الاقتصاد الصيني الذي سجل في الآونة الأخيرة معدلات نمو جعلته في صدارة دول العالم وهو ما أقلق أمريكا والغرب عموماً.
كما تعمد أمريكا أوباما اليوم على ممارسة ضغوطاتها على المؤسسات الاقتصادية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية لجهة فرض المزيد من القواعد الصارمة والقيود المتشددة في التعامل مع الاقتصاد الصيني وذلك على النحو الذي يقلل من فرص حصول الصين على تدفقات رأس المال الأجنبي الاستثماري فيها.
أجل هذه هي مضامين الاستراتيجية الأمريكية حيال الصين كما حيال غيرها من القوى الدولية الصاعدة التي تشعر أمريكا أنها ستزيحها عن عرش حكم العالم والتحكم بمصائره ومثل هذا السلوك الأمريكي بالطبع يعكس هدف فرض القبضة العسكرية الحديدية لأمريكا من جديد على الكيانات الآسيوية وغيرها مهما كان الثمن فادحاً كما يبدو.
وها هي الأحداث المتلاحقة في الفلبين وتايلاند واليابان وبين الكوريتين تحاول أمريكا استثمارها لصالح مشروعها الاستعماري في إبقاء سيطرتها على تلك الدول والانطلاق منها لمحاصرة الصين .
إنها عنوان الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أن يبقى العالم بجميع مناطقه ودوله أسيراً ومسلطاً عليه السيف الأمريكي كي لايقوم لها أي مقام للانفلات والتحرر من هذا السيف الذي لم يجلب لشعوب تلك الدول سوى الفقر والهلاك والمزيد من نهب ثرواته وخيراته وجعلها دائماً أسواقاً استهلاكية للاحتكارية التسلطية الأمريكية.