وهناك الكثير من المتابعين والمهتمين والمراقبين لأداء الحكومة, بدأ يسأل وبشيء من الاستغراب والاستهجان حول الأسباب التي تمنع من البت بمثل هذا القانون الذي يفترض أنه يلعب دورا مهما في تصويب أداء قطاع السكن والإسكان, وهذه الأسئلة التي تنطلق غالبيتها من الغيرة على الواقع غير المرضي لواقع سوق العقارات والاستثمار العقاري يفترض أن تلقى إجابات مقنعة تبرر أسباب كل هذا التأخير, خاصة في وقت هناك ما هو قريب من الإجماع على أن عجلة التطوير للقوانين والقرارات تشهد الكثير من التباطؤ, علما أن بعض هذه القوانين لا تستوجب التثاؤب والتلكؤ,
فالمعلومات الأكيدة تنشرها المنابر الإعلامية الرسمية بين الحين والآخر, تشير إلى أن هناك شركات محلية وعربية عملاقة كانت قد أبدت استعدادها لتشييد الضواحي السكنية والمشاريع العمرانية في أكثر من محافظة, والخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام مؤخرا يؤكد أن آخر هذه المشاريع يعود إلى شركة مصرية ستقوم بتشييد (100) ألف وحدة سكنية لمتوسطي الدخل خلال السنوات الخمس المقبلة إلى جانب شركة في السعودية وأخرى من الإمارات العربية المتحدة كانتا قد وقعتا مع المؤسسة العامة للإسكان مذكرتي تفاهم لبناء (50 ) ألف وحدة سكنية, وفي مواجهة مثل هذه الأخبار وسواها فإنه من الطبيعي توجيه الانتقاد للحكومة من أجل حثها على الإسراع في إصدار قانون التطوير والاستثمار العقاري وبصراحة شديدة فإن مثل هذه الشركات وفي حال استمرار التأخير وعدم حضور هذا القانون فإنها قد تضطر بعد مدة زمنية إلى التراجع أو العدول عن مشروعاتها, خاصة وأن هذه الشركات ليست على استعداد للبدء والإقلاع بمشروعاتها دون حضور الضوابط القانونية التي توفرها لها الشفافية في طرائق وأساليب العمل, وأيضا من غير المعقول بأن صوغ قانون حيوي وضروري يستوجب تبديد كل هذا الزمن, فالأمر المعروف أن مشروع هذا القانون كانت رئاسة مجلس الوزراء قد نشرته على موقعها الالكتروني منذ عام 2004 بهدف إبداء التعليقات والآراء في جميع الجهات المعنية سواء الاقتصاديين أو المهتمين وفي حينها قلنا وبصوت عال إن هذه الخطوة حضارية لأكثر من اعتبار وسبب, فهي أولا تشرك الرأي العام في صوغ التشريعات والقوانين التي تمس مسيرة الاصلاح بجوانبها المختلفة, وثانيا: تكرس الشفافية وتمنح المستثمرين والتجار ورجال الأعمال فرصة استدراك بعض الهنات والثغرات قبل إقرار القانون ونفاذ مفعوله.. ولكن مع ذلك فإن كيل كل هذا المديح لم يكن ليستقيم إن لم تكن هناك جدية فعلية في إصدار القانون بصيغته النهائية.
ولعل الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب والعجب أنه وعلى الرغم من كل هذه الانتقادات التي بدأت تشق طريقها إلى المنابر الإعلامية فإنه وكما ذكرنا في بداية هذه المقالة لا يبدو أن هذا القانون على مشارف الصدور, وأما عن الأسباب والدوافع التي تجعلنا نصل إلى مثل هذا الاعتقاد هو أن الحكومة تقوم بين الحين والآخر بتسريب معلومات تفضي إلى أن هناك رحلة من الانتظار ما زالت قائمة وذلك على الرغم من أن مشروع القانون المنشور خلال العام الماضي في المنابر الاعلاميةكان قد حظي بكثير من الإعجاب ولقي استحسانا من جانب المراقبين والمتابعين, وحتى لو كانت هناك بعض المضامين التي تستوجب التعديل أو الحذف أو الإضافة فإن الفترة الزمنية المنقضية بين صوغ مشروع القانون وبين الوقت الحالي هي أكثر من كافية للوصول إلى الصيغة النهائية.. ففي الشهور الأولى من العام الحالي كان السيد وزير الإسكان قد برر هذا التأخير انطلاقا من المعلومات التي تقول: إن القانون سوف يتم فصله إلى قانونين بدل القانون الواحد بحيث يطلق على الأول قانون الاستثمار العقاري, فيما يطلق على الثاني قانون التمويل العقاري.. وكانت بعض الأخبار الرسمية قد أشارت إلى أن الاحتفاء بهذا الفصل وإقرار قانون التمويل العقاري سوف يتم خلال انعقاد مؤتمر المصارف, وكما نعلم فإن هذا المؤتمر كان قد عقد ومضت الأسابيع على انعقاده ولكن قانون التمويل العقاري مازال مصيره مجهولا.. والأهم من كل هذا وذاك كانت المنابر الإعلامية الرسمية قد أشارت إلى أن مجلس الوزراء كان قد أقر في إحدى جلساته خلال شهر أيار الماضي تشكيل لجنة من الجهات المختصة للاستفادة من تجارب الدول العربية في وضع قانون التطوير والاستثمار العقاري وبحث مدى توفر شروط التمويل والرهن العقاري.. واليوم نسأل: ماذا عن هذه اللجنة وحصاد عملها كل هذا الوقت?!.. ولماذا لا نتحدث بصراحة وشفافية عن الأسباب الفعلية التي ما زالت تمنع صدور هذا القانون بعد كل هذه المدة الزمنية الطويلة على إصدار مشروع القانون?!
ما أتينا على ذكره يمثل متابعة لبعض التفاصيل التي تحيط بهذا القانون وإذا كان هناك من يبدي الغيرة الفعلية على ما يشهده قطاع السكن والإسكان من مشكلات وعلى ما يشهده سوق العقارات من فوضى فإنه من الضروري بهذه الحالة الإسراع في إصدار القانون من أجل البدء في ورشة تشييد العقارات السكنية لأن هذا القانون سوف يسهم في تحقيق الكثير من الأهداف والطموحات بدءا من توفير السكن بأسعار تتناسب مع متوسطي الدخل مرورا بمعالجة مناطق السكن العشوائي وتسوية واقعها الخدمي والجمالي من خلال مشروعات وعدت بعض الشركات بتنفيذها وليس انتهاء بردم الهوة بين العرض والطلب فهذه الهوة الممثلة بعرض قليل وطلب متزايد كانت وما زالت تشكل السبب الجوهري في ارتفاع أسعار الشقق السكنية وحدوث هذه الفوضى اللامتناهية.. فإلى متى الانتظار يا حكومة?!
marwanj@ureach.com