وكانت في الحقيقة حركة دالة لخطة سلام جديدة بين العرب والإسرائيليين والجريمة -التي ارتكبتها تلك الدول هي أنها قد رسمت تلك الخطة وأعلنت عنها من دون مشورة الحكومة الإسرائيلية والتنسيق معها.
لقد بدأت هذه الخطة في الاجتماع السنوي للقمة الاسبانية- الفرنسية التي عقدت في مدينة - جيرونا - الكاتولونية في السادس عشر من تشرين الثاني.
لقد جاءت مبادرة السلام الأخيرة من جانب رئىس الوزراء الاسباني- خوسيه لويس رودرخبير ثاباتيرو- وبدعم من الرئيس الفرنسي (شيراك ورئىس الوزراء الايطالي رومانو برودي) وأعلن -ثاباتيرو- في تصريح بأنه يأمل أن يحصل على تأييد رئىس الوزراء البريطاني- توني بلير- والمستشارة الألمانية - انجيلا ميركل- على الخطة المزمع تقديمها الى اجتماع قمة الاتحاد الأوروبي الذي سيعقد الشهر القادم.
ويعتقد على نطاق واسع جداً أن صاحب هذه الخطة هو وزير الخارجية الاسباني- ميغيل موراتينوس- الذي انخرط في شؤون المنطقة لعدة سنوات,أثناء فترة عمله كمبعوث للاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط.
تتضمن الخطة كما جاءت على لسان- ثاباتيرو- خمسة مكونات أساسية وهي : ايقاف كافة أعمال العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين بما في ذلك الأعمال (الارهابية) وتشكيل حكومة وحدة وطنية في فلسطين وتبادل السجناء ليشمل الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليت الذي اختطفته المقاومة الاسلامية حماس وكذلك الأسرى من النواب والوزراء الفلسطينيين.
وبعد هذه المراحل الثلاث يعقد اجتماع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي- إيهود أولمرت- والرئيس الفلسطيني محمود عباس لتمهيد الطريق من أجل نشر قوة دولية تقوم بمهمة- المراقبة- على أن يتبع هذه الخطوة عقد مؤتمر دولي للسلام.
ويجب الإشارة هنا الى أن - ثاباتيرو- قد وصف مبادرته على أنها عبارة عن تمرين على تحمل المسؤولية يجب على جهة ما أن تبدأ به لأن التدهور في الموقف قد وصل الى حد أوجد حاجة ماسة الى عمل يقوم به المجتمع الدولي.
ووجهة النظر الاسبانية هي أن- خارطة الطريق- الخاصة بالشرق الأوسط بالصيغة التي رسمتها بها الرباعية الدولية وهي الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة قد أصبحت بحكم الميتة الآن. وبعد أن كان من المفترض أن تقود تلك الخارطة الى اقامة دولة فلسطينية بحلول كانون الثاني ,2005فإنها لم تعد صالحة حالياً,وغداً ملحاً أن تخلي الطريق لمبادرة جديدة.
السؤال المطروح حالياً هو:هل ستكون مبادرة السلام التي أطلقها ثاباتيرو قادرة على التحليق ?يبدو هذا الأمر حالياً غير مرجح الى درجة كبيرة بسبب اعتراض اسرائىل على الخطة حيث كانت ولا تزال تصر على أن تبقى قضية تحقيق السلام مع الفلسطينيين في أيدي الأميركيين حصرياً وترفض تدخل الأوروبيين في هذه القضية لأنهم برأيها- مؤيدون للفلسطينيين -لقد قطع - هنري كيسنجر- وزير الخارجية الأميركي في عام 1975 على نفسه عهداً لإسرائىل- لا يزال هذا العهد ساري المفعول حتى الوقت الراهن- مفاده أن الولايات المتحدة لن تقوم بأية مبادرة في الشرق الأوسط دون بحثها أولاً مع اسرائىل بالتفضيل والحصول على موافقتها عليها.
وكانت نتيجة ذلك أن أميركا منحت إسرائىل نفوذاً على سياستها في الشرق الأوسط. تعارض اسرائىل بقوة أي وجود دولي في الأراضي المحتلة خوفاً من أن يؤدي ذلك الى الحد من قدرتها على اغتيال الناشطين الفلسطينيين وقصف غزة والاغارة على أراضيهم عندما تريد.
فاسرائيل تريد أن تتمتع بحرية مطلقة في التعامل مع ماتطلق عليه (الارهاب الفلسطيني) حسبما ترى و دون أي عائق.
وتخاف اسرائيل أن توحد الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا جهودهما,وتتفقا على فرض تسوية على طرفي النزاع تتضمن انسحاباً اسرائيلياً الى حدود عام .1967لكن من غير المتوقع أن يحصل أمر كهذا طالما بقي الرئىس جورج بوش في منصبه وهو ما يعود في الدرجة الأولى الى حقيقة أن الموضوع الذي يأتي على رأس قائمة أولويات بوش في الوقت الحالي هو حرب العراق التي تشير جميع الدلائل المتاحة الى أن الولايات المتحدة مشغولة بخسائرها الفادحة والمتزايدة.
فهو يكافح من أجل التوصل الى حل مشرف في الوضع العراقي,وهو مخرج قد يقتضي ارسال المزيد من الجنود الأميركيين الى العراق في المدى المنظور وبوش غير مقتنع بحجة بلير التي تقول إن الحاجة تدعو الى استراتيجية شاملة للشرق الأوسط أي الى نهج شامل يؤدي الى حل للصراع العربي- الإسرائيلي في اطاره والى المساعدة على جعل موقف التحالف في العراق أفضل حال.
ومما يشار إليه في هذا الاطار أن - المحافظين الجدد- المؤيدين والمواليين لاسرائىل,والذين اطلعوا بصياغة سياسة أميركا في الشرق الأوسط منذ الحادي عشر من أيلول .
الوقت الحالي, يرفضون أي ربط بين الموضوع العراقي وبين الصراع العربي- الإسرائىلي- لأنهم يعتقدون أن اسرائىل يجب أن يكون لها الحرية في حسمه وفقاً لشروطها.
أما فيما يخص موقف المستشارة الألمانية - انجيلا ميركل - من تلك المبادرة فهو الاحجام لأنها قالت أكثر من مرة بضرورة أمن اسرائيل. ولهذا السبب فهي لا تريد أن تصدق على أية مبادرة وكأنها تريد الضغط على اسرائىل.
لكن الموضوع مختلف كلياً مع الدول الأوروبية الثلاث صاحبة المبادرة :فرنسا واسبانيا وايطاليا التي تتبنى رؤية مختلفة.تشعر هذه البلدان الثلاثة أنها معنية بشكل مباشر بصراع الشرق الأوسط, التي تخشى تلك البلدان أن تمتد آثاره الى حدودها.
وهذا هو ما دفعها الى ارسال قواتها للمشاركة في قوة- اليونيفيل- التابعة للأمم المتحدة والمكلفة بحفظ السلام في لبنان:
وهذه البلدان التي نفد صبرها تجاه سياسة الذراع الطويلة التي تنتهجها اسرائيل, والتي تأثرت مشاعرها بسبب معاناة الفلسطينيين تؤمن بأن مبادرتها لها ما يبررها سواء من الناحية الاخلاقية البحتة أو من ناحية المصالح السياسية .
لكن السؤال القائم هو: هل تصغي واشنطن لما تقوله تلك الدول? سيتعين علينا الانتظار حتى نتمكن من الاجابة على هذا السؤال. لكن علي ما يبدو فإن تلك الخطة التي تم الاعلان عنها في مدينة - جيرونا- لم تلق سوى رد فعل خافت جداً في الأوساط الأميركية.
الإنترنت - الموقع gulf news