|
خارج السرب - السياسات والإدارة العامة والقرارات الاقتصادية اقتصاديات وهذه المقالات لم تظهر عبثا وانما هي نتيجة للكثير من التساؤلات حول عدد من المبادرات والقرارات التي صدرت والتي تم التراجع عن بعضها او تلك التي صدرت ولم يشعر المواطن حتى الآن بنتائجها عليه بينما تحمل الصحافة اليومية للمواطن يوميا اخبارا عن قرارات اقتصادية جديدة, والواقع اننا يجب ان نفرق بين القرارات التي تتخذ يوميا لادارة العمل اليومي في الوزارات والمؤسسات الادارية العامة وبين تلك التي تتخذ تنفيذا لسياسات عامة جديدة والتي يحتاج تنفيذها لآلية معينة. هناك ما يعرف بالسياسات العام Public Policy التي تضعها عادة الحكومات, تعرف السياسة العامة للحكومة بأنها مجموعة السياسات (القوانين - الخطط - الافعال - السلوك), (Laws - Actions - plans - behavior) التي تختارها الحكومات في معرض ادارتها للمجتمعات وبما ان للحكومات السلطة على مجموع افراد المجتمع وعليها المسؤولية عنهم, لذلك فإن عليها ان تضع الخطط والطرق Methods التي تدير بها المجتمعات والسياسات العامة تتناول افعال الحكومة وتصرفاتها والدوافع وراء هذه الافعال, وهذه الافعال تحدد عادة من يحصل على ماذا في المجتمع, كما ان السياسات الحكومية لا تشمل فقط افعال الحكومات بل تشمل ايضا امتناعها عن فعل شيء في حالات معينة, ويعرف البعض السياسات الحكومية بأنها القرارات اللازمة لتنفيذ البرامج التي تهدف الى تحقيق اهداف اجتماعية, توضع السياسات الحكومية عادة باسم الجمهور وتبادر بها الحكومات ويحاول كل من القطاعين الخاص والعام فهمها وتشير الى ما تنوي الحكومة فعله او الامتناع عن فعله. اذا في البدء هناك سياسة عامة يجب ان يتم وضعها . بالاستناد الى هذه السياسة فإنه يجب تعديل الانظمة والقوانين ثم يأتي دور الجهاد الاداري الحكومي الذي يجب ان يفسر هذه السياسة الحكومية ويفهمها ليترجم ذلك تصرفات وافعالا على الارض يشعر المواطن والقطاع الخاص بها في تفاعله اليومي مع الادارة الحكومية وان عدم اعادة النظر بالقوانين والانظمة بالشكل المناسب وعدم فهم البيروقراطية او الادارة الحكومية لهذه السياسات والقرارات اللازمة لتطبيقها سيجعل من الصعب على اي سياسة حكومية ان تجد طريقها للتطبيق وان تحقق اهدافها العامة. ولدينا فإن الكثير من السياسات او القرارات تأخر تنفيذها لاسباب تتعلق إما بآلية وضع السياسات او بتطبيقها, وكمثال عن ذلك نأخذ دخول القطاع الخاص الى صناعة الاسمنت وهو تجربة جيدة توضح اهمية الآلية المتبعة في تنفيذ السياسات العامة, فمنذ بداية التسعينيات من القرن الماضي اتجهت سياسة الدولة الى فتح قطاع صناعة الاسمنت للقطاع الخاص وبينما كانت ازمة الاسمنت تزداد حدة عبر السنين كان عدد رخص المعامل الجديدة الممنوحة للقطاع الخاص التي لم تجد طريقها الى التنفيذ يزداد حتى وصل عدد الرخص الى نحو خمس وثلاثين رخصة في العام 2005 وفي نهاية العام 2005 تم تشكيل لجنة الاسمنت التي كانت برئاسة السيد نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية وعضوية عدد من السادة معاوني الوزراء ومستشار مالي ومستشار فني من الشركات العالمية وقد عملت اللجنة خلال عدة شهور ضمن سياسة وتوجهات حكومية واضحة لتشجيع دخول القطاع الخاص الى هذه الصناعة العامة لملء الفجوة بين العرض والطلب, وبالتحاور مع المستثمرين عملت اللجنة على تحديد العوامل التي تعيق تأسيس مشاريع الاسمنت الخاصة ووضعت اطارا وعملية واضحة المعالم لتحديد من هو جدي من مستثمري القطاع الخاص ولتذليل العقبات التنطيمية امام المشاريع الجديدة وقامت اللجنة الاقتصادية بالتصديق على توصيات اللجنة التي اصدرها السيد رئيس مجلس الوزراء بقرار رسمي وهكذا كان لدينا خلال عام من عمل اللجنة خمسة تجميعات من كبار المستثمرين من القطاع الخاص تعلن عن مشاريع للاستثمار في قطاع الاسمنت بل اكبر المشاريع تحت قانون الاستثمار رقم 10 لعام ,1991 هذا المثال يوضح كيف ان السياسة الحكومية بحاجة الى ترجمة في الانظمة والقوانين التي يجب ان تطبقها الادارة الحكومية كما ان الادارة الحكومية بحاجة الى فهم هذه النصوص التشريعية والتنظيمية ليتسنى لها تطبيقها بشكل سليم وهو ما قامت به اللجنة وهو مثال على كيفية الانتقال من السياسة العامة الى القرار ثم الى الواقع.
|