فقد أكدت وينفري أن الفيس لا يزال يعتلي قائمة أكثر الأغنيات مبيعاً منذ عام ,1952 الشيء الذي دفعها لزيارة متحفه في مدينة ممفيس التي شهدت ولادته خلال عام ,1935 على اعتبار أنه من أكثر الفنانين الراحلين دخلاً, حيث يبلغ عائد مبيعات اسطواناته وتذاكر زيارات منزله أكثر من خمسين مليون دولار سنوياً.
ولقد وصلت مبيعات أغانيه إلى حدود المئة مليون ألبوم وهو رقم قياسي, دخل في موسوعة غينيس وأعطى دلالة لا تقبل الجدل, على أن الفيس بريسلي هو الأكثر جاذبية وشهرة وثراء بين جميع المطربين الأحياء والأموات وفي كل تاريخ الغناء الحديث.
والمعروف عن الملك الفيس أنه استطاع في مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم, وقبل أن يتجازو العشرين عاماً, أن يقلب المقاييس الموسيقية والغنائية, ويقدم الحركات الراقصة على المسرح, بطريقة مغايرة للمألوف والسائد والمطروح, وأصبح بعد فترة وجيزة يلقب بمعبود الملايين في العالم أجمع, ويدخل حفلاته وسط حراسة مشددة, بعد ان نشرت إحدى أشهر المجلات الأميركية, مقالاً لافتاً ومثيراً حمل عنوان: (المافيا تلاحق الفيس بريسلي).
في البداية لم يستطع الجيل القديم استيعاب موسيقاه وشخصيته الطاغية التي هي مزيج من الايقاعات الشعبية وايقاع البلوز الصاخب, كما اعتبرت حركاته على المسرح بمثابة هجوم صارخ على جميع المقدسات الفنية القديمة, وبمثابة بداية لظهور التخريب الناشئ عن كارثةخالية من الأفكار الجمالية التقليدية.
إنه الصراع الأزلي, بين الأفكار القديمة التي ترفض موتها, وبين الأفكار الجديدة بإيقاعاتها الكاسرة الصادمة, فالأبناء يخالفون الآباء في خطوات البحث عن السحر المغاير المتغلغل في الحركات والكلمات والإشارات الموسيقية.
إلا أن الآباء سرعان ما اندمجوا مع موسيقا الروك التي ابتكرها الفيس وأطلقها وغيّر من خلالها وجه التاريخ الموسيقي, حتى أن هناك العديد من الفرق الشهيرة سارت على خطاه, وفي مقدمتها فرقة (البيتلز) و(الرولينغ ستونز) وغيرهما كثير جداً.
واليوم وبعد مرور حوالي ثلاثة عقود على رحيله, لا يزال الفيس يعيش أمجاده, ويحقق أعلى الإيرادات ويقبل على سماع موسيقاه الأبناء والآباء على حد سواء.
أثناء متابعتي لشريط برنامج (أوبرا) المأخوذ من متحفه ومنزله وحفلاته ومن ألبوم عائلته الصغيرة المكونة من زوجته بريسيلا وابنته ليزا ماريا كنت أتساءل: متى تبادر قنواتنا التلفزيونية المحلية بإرسال كاميراتها إلى بيوت كبار الفنانين السوريين الراحلين الذين حققوا شهرة عالمية في مجالي الغناء والموسيقا, وفي مقدمة هؤلاء فريد الأطرش واسمهان, ولاسيما أننا قرأنا منذ فترة وجيزة عن احتمالات تحويل منزل اسمهان في السويداء إلى متحف لهما.
فهل نستطيع في الأزمنة الرمادية الراهنة المطالبة مرة جديدة بتحويل بيوت الفنانين إلى متاحف, على غرار متحف الفيس حتى تتعرف الأجيال الجديدة على تراث فني في طريقه إلى التشويه الفعلي.