فمحاربة الارهاب والقضاء على تنظيم داعش الإرهابي هي مجرد ذريعة أميركية للتدخل في الشأن السوري ومحاولة لترسيخ بقاء عسكري طويل الأمد في الشمال السوري، وأما الغاية الحقيقية لهذا التدخل ـ حسب تيلرسون ـ هي تغيير النظام السياسي القائم والإتيان بمرتزقة واشنطن وعملائها إلى سدة الحكم، وتقديم خدمة مهمة جداً للكيان الصهيوني تتمثل بتفكيك أو إضعاف محور المقاومة الذي ترسخ وجوده في السنوات الماضية من زاوية الاعتراض على الوجود الإيراني الذي يقض مضاجع الإسرائيليين ويربك حساباتهم العدوانية.
تناقضات واشنطن وانكشاف ألاعيبها
الغريب والمستهجن في تصريحات تيلرسون هو دعوته إلى عدم ارتكاب الخطأ نفسه الذي ارتكب في العام 2011، عندما سمح الخروج المبكر للقوات الأميركية من العراق لتنظيم القاعدة بأن يبقى على قيد الحياة في هذا البلد، وهو بذلك يناقض تصريحات رئيسه ترامب الذي سبق له أن اتهم إدارة أوباما خلال حملة ترشحه للانتخابات الرئاسية بالمسؤولية عن إنشاء تنظيم داعش، وبالتالي لم يكن الخروج الأميركي من العراق خطأ تسبب بظهور التنظيم بل الوجود الاحتلالي الأميركي في العراق هو الخطأ الذي تسبب بظهور التنظيمات الارهابية في هذا البلد وخاصة داعش، ما يعزز القناعة بأن البقاء الأميركي في الشمال السوري سيكون مرة جديدة سببا لظهور المزيد من التنظيمات الارهابية وليس العكس لأنه يقدم الذريعة والحجة لأنه وجود احتلالي وغير شرعي هذا إذا تجاوزنا كل المعطيات والدلائل التي قدمتها موسكو حول وجود تعاون بين واشنطن وحلفائها وبين داعش بحيث سمح للتنظيم بالتمدد واحتلال مساحات واسعة بين سورية والعراق في أوج غارات التحالف الأميركي المزعوم لمحاربة الارهاب.
طموحات محكومة بالفشل
بالمحصلة الطموحات الأميركية في سورية ستصطدم بالواقع السوري الرافض لأي وجود غير شرعي على أراضيه، وأي وجود من هذا النوع سيواجه بالقوة العسكرية والمقاومة إذا لم تستجب إدارة ترامب للدعوات التي تطالبها بسحب قواتها وترك السوريين يقررون مستقبلهم بأنفسهم وعبر حوار سوري سوري، وما ينطبق على الأميركي في هذا الشأن ينطبق على التركي أيضاً لأن وجوده على الأراضي السورية غير شرعي ولم يأخذ موافقة الحكومة السورية، وقد كانت دمشق واضحة جدا عبر تحذيرها للقيادة التركية بأنه في حال المبادرة إلى بدء أعمال قتالية في منطقة عفرين فإن ذلك سيعتبر عملا عدوانيا من قبل الجيش التركي على سيادة أراضي الجمهورية العربية السورية، وبالتالي فإن سورية ستقابل أي تحرك تركي عدواني أو بدء عمل عسكري تجاهها بالتصدي الملائم، وحسب نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد فإن قوات الدفاع الجوية السورية استعادت قوتها الكاملة وهي جاهزة لتدمير الأهداف الجوية التركية في سماء سورية.
القانون الدولي إلى جانب سورية
دمشق أدركت منذ اللحظة الأولى لأزمتها أن واشنطن هي أساس البلاء وهي من تدير اللعبة في المنطقة بالأصالة وعبر وكلاء كثر وقد سارعت إلى رفض تصريحات تيلرسون جملة وتفصيلا على قاعدة أن «الشأن الداخلي لأي بلد في العالم هو حق حصري لشعب هذا البلد وبالتالي لا يحق لأي كان مجرد إبداء الرأي بذلك لأن هذا يشكل انتهاكا للقانون الدولي ويخالف أهم النظريات في القانون الدستوري».
وأما الوجود العسكري الأميركي على الأراضي السورية فهو أخطر أنواع التدخل لأنه غير شرعي ويشكل خرقا سافرا للقانون الدولي واعتداءً على السيادة الوطنية وان هذا الوجود وكل ما قامت به الإدارة الأمريكية كان وما زال يهدف إلى حماية تنظيم /داعش/ الذي انشأته إدارة أوباما.
أوراق دمشق القوية
تمتلك دمشق الكثير من أوراق القوة التي تجعلها واثقة من خياراتها مهما كانت الصعوبات والتحديات القادمة، فخلال السبع سنوات الماضية واجهت سورية كل أشكال العدوان والإرهاب والحروب الإعلامية والتضليل والتشويه وتعرضت لمختلف الضغوط السياسية والعقوبات والمقاطعة الاقتصادية لكنها لم تتخل عن ثوابتها الوطنية أو قضاياها القومية، واستطاعت أن تبني مع روسيا العائدة بقوة إلى الساحة الدولية تحالفا متينا ضد الارهاب نجح في تفكيك تنظيم داعش واستعادة السيطرة على مساحات واسعة من الميدان من قبضة الإرهابيين، كما استطاعت أن تعزز قوة وفاعلية محور المقاومة في مواجهة الارهاب والطموحات العدوانية الإسرائيلية بحيث باتت هواجس ومخاوف الكيان الصهيوني أكثر بكثير من السابق وبالقدر الذي دفع به للتدخل مرات كثيرة دون جدوى لإنقاذ مرتزقته وإرهابييه من الانهيار، وهو الذي راهن على إضعاف سورية وإسقاطها عبر الدعم المباشر وغيرالمباشر للإرهاب.
أجواء تصعيدية والتركي أكثر الخاسرين
من الواضح هنا أن التصعيدين الأميركي والتركي تجاه سورية وإن اختلفت ذرائع كل طرف، مع شكوك بوجود رابط بين التصعيدين لإجهاض المساعي المبذولة لعقد مؤتمر سوتشي، سيواجهان بالقوة العسكرية المناسبة إذا فشلت الدبلوماسية والاتصالات بين الأطراف في تهدئة الجبهات وتمكنت من تعطيل المخططات الأميركية ولجمت التحركات التركية باتجاه عفرين، فمواقف كل من دمشق وموسكو وطهران الرافضة للوجود الأميركي والتركي تعطي مؤشرات بأن المرحلة القادمة هي مرحلة تصعيد، ما قد يدفع مؤقتا لتأجيل المفاوضات والحلول السياسية لحين انقشاع غبار التصعيد والمعارك التي قد تدور رحاها.
ما يحدث في شمال سورية هو احتلال عسكري أميركي تركي سيفشل ويندحر في نهاية المطاف كما اندحر في مناطق أخرى من العالم، ومحاولة عبثية لإقامة ميليشيات «لحدية» أو داعشية جديدة للضغط على سورية بهدف الحصول على تنازلات منها في ملفات وقضايا المنطقة، ولا خوف من أن تؤدي هذه المحاولات لتقسيم سورية لأن مثل هذا المخططات فشلت في شمال العراق وستفشل في شمال سورية لأن السوريين يملكون أدوات ومقومات إفشالها، وإذا كان ثمة مفاعيل سلبية لما تفعله واشنطن في سورية فستلحق بنظام أردوغان حليف واشنطن في الناتو قبل غيره.