من واجههم معدّ برنامج «حبر وحضارة» الذي يُعرض على «الإخبارية السورية».
إنه البرنامج الذي يجتهد الإعلامي «تفيد أبو الخير» في جعله مميزاً بمدادِ مبدعينا من أدباء وشعراء وفنانين وموسيقيين وباحثين وسواهم ممن يسعى وباستضافتهم الفضائية، للتذكير بإنجازاتهم ورسالتهم الإنسانية والأخلاقية والحضارية..
يفعل ذلك، من خلال التوازي وإفساح مجال الظهور لضيوفٍ منهم «يوسف جاد الحق» الأديب والكاتب الفلسطيني الذي سَلِّط عليه النور على مدارِ حلقته. سلّط عليه النور وتوارى، إلا عن الاستماع لما يسرده من حكايا الماضي أو حتى الحاضر الذي لايزال يعتمل في ذاكرته.
يتوارى، دون أن يقاطعه إلا تعليقاً يثني على أثره وإنجازاته، أو تصويراً يَعرضُ متحفهُ أو منزلهُ أو مرسمه أو مكتبته وإصداراته.. دون أن يقاطعه، إلا لعرضِ لقطاتٍ تدعم سرده أو تجسّد ما أبدعه، وكل ذلك بعد مقدمةٍ يحكي فيها الضيف عن حياته وتجربته ومعاناته وماقدمه على مدى عطاءاته.
حتماً، هو رصدٌ وتوثيقٌ لكلِّ ثقافي، فكري، إبداعي، فني، حضاري. لكلِّ ماجعل «جاد الحق» يروي حكاية الإبداع الذي تجذّر في وطنه الفلسطيني، والذي امتدَ وانتشر في وطنه السوري.
يروي ذلك، عبر حكايةٍ بدأت بفلسطين ولم تنتهِ بسبب الكمِّ الهائل مما أنتجته من المبدعين..
حكايةٌ، تليقُ بما كانت عليه مكانتها وحضارتها وثقافتها، وإلى أن عصفت رياح الاحتلال الصهيوني السوداء بها وبشعبها. الشعب الذي وإن شُرِّد وأُبعِدَ، إلا أنه لم يفقد الأمل وظلَّ يرنو إلى قلبها.
إنها بدأت الحكاية المؤلمة. حكاية وطن، بل إبداعٍ، استعرض «جاد الحق» بداياته التي كانت عامرة وزاخرة ومتقدمة في مجال الأدب والكتابة والترجمة.
استعرض ذلك، ليدين بعدها الممارسات الإسرائيلية-الاستعمارية التي وإن ساهمت في حدوثِ النكبة التي قطعت كل سبل الحياة على الفلسطينيين، إلا أنها كانت سبباً في جعلِ المعاناة تقدحُ شرارة أفكارهم، وإلى أن باتوا من أشهر الكتاب والشعراء المقاومين.
يذكر أسماء بعضهم، وهو مايدل على وفائه لذكرهم. يستدعي أعمالهم ويختم بالتأكيد على استمرارهم.
من هنا يبدأ صلب الحكاية. حكايته، ومُذ غادر وطنه بسبب الاحتلال الصهيوني، والجهلٍ السياسي، والفشل العسكري العربي، وصولاً إلى سورية التي فتحت قلبها لتضخَّ لهُ دماء الحياة. الحياة التي ليست سوى أدب عظيم وتصدّ تجسِّده المقاومة التي تبنّتها فانطلقت منها نضالاً وإبداعات.
يتوقف، ليبدأ بعدها بالاتجاه إلى ماقبل نهاية الحكاية. يُعرِّف بأسماء شعراء وأدباء قدامى كـ «عبد الكريم الكرمي» و»يوسف الخطيب» ومعاصرين، كـ «صالح هواري» و»خالد أبو خالد» وغيرهم ممن عرَّف بأنهم وإياه، أتوا من وطنهم الأول فلسطين إلى وطنهم الأول سورية. أتوا قلبها ولم يخرجوا منه إلا ليعودوا إليه، كُتابا وعاشقين.
نعم، هذا مااتَّجه إليه «جاد الحق» الذي توقف طويلاً عند تجربته الأدبية التي تزيد على ستين عاماً، ومنذ بدأ بكتابة القصة والظروف التي شجعته وأحاطت به، وصولاً إلى أدبه المقاوم الذي ذكر أسماء بعض رواده من أبناء جيله الذين تركوا أبلغ الأثر في الأدب العربي عموماً..
فعل ذلك، ليقوم وبعد أن استعرض مافي مكتبته من أعمالٍ «قصصية، مسرحية، روائية»، باختتام «حبر وحضارة» بكلماتهِ، بل رسالته الإبداعية-الإنسانية.
«للكلمة دورٌ كما للبندقية، وكلمتنا هي ما بقيَ لنورِّثهُ للأجيال القادمة».. « تجربتي تمثل مشهداً من آداب لا تزول»..
باختصار، هي الحكاية التي ننتظر سماعها في هذا الوقت تحديداً وسمعنا تفاصيلها الإنسانية. سمعناها تتطرّق إلى موضوعٍ بالغ الأهمية ويحتاج لأن يبقى مثار اهتمام كل من يدعي المهنية ويُفترض أن يكون لمهنيّته قضية.