الأفكار التي نادراً مابتنا نسمعها ونستشعر إشعاعاتها. تلك التي سعتْ الأديبة والباحثة الأردنية «كفى الزعبي» وعبر قناة «الميادين»، لجعل «بيت القصيد» سبيلاً لإيصال رسالتها.
إنها الرسالة التي كانت جداً جريئة وصريحة، بالرغم من أنها كانت جريحة. الرسالة، سمعناها من أديبةٍ، أطلّت لا لتحكي عن حياتها وتميزها واتساع فضاءاتها، ولا عن سعيها من خلال أعمالها لخلق توازن بين عالمها العربي والعالم الروسي الذي حافظَ ورغم مامرَّ به من انكسارات، على ثقافتهِ وقِيمها.
أطلّت، لالتحكي فقط عن كل هذا وإنما أيضاً، عن كلِّ ما يتعلق بأزماتنا الحالية وجعلها تصرُّ، على نثرِ مفرداتها ورداً وحباً وأملاً، هم جدواها وجدوى أعمالها التي أرادتها تزيلُ ولو شيئاً من العفنِ، الذي ضمَّخ هذا الزمن.
من هنا، وإن ابتعدنا عن العديد من الأسئلة التي وجّهها «زاهي وهبه» وخصَّت روايتها الجديدة «شمس بيضاء باردة» بالأهمية، إلا أننا نقترب من الأهم، تفسيرها لانسلاخ المثقف العربي عن واقعه، وسبب صمته أو تشظِّيه أو تقاعسه عن الانشغال بقضايا اليوم المأساوية.
إنه ماأحالت أسبابه، إلى سعي المستفيدين والمشاركين بما يحصل في أوطاننا، لإبعاد المثقف الذي كان في مرحلة التحرر العربي «الستينيات» ابن مشروع سياسي. سعيهم لإبعاده وفصله عن قضاياه الوطنية، إضافة إلى كونه لايزال يحمل تابوهات تمنعه من رؤية الواقع بشكلٍ جوهري، وإلى الحد الذي باتَ فيه يتّهم المثقف المهتم، بأنه رجعي وخشبي.
أما عن سببِ التصاقها وانشغالها بالهمِّ العربي، رغم إقامتها في روسيا وبعدها الجغرافي. أما عن ذلك، فدلَّت عليه بما روتهُ عن أعمالها وبما جسدهُ قولها:»أنا عربية أولاً.. ولا يمكن للإنسان الحقيقي الانسلاخ عن قضايا واقعه ووطنه»..
هذا وغيره من القضايا الهامة والحساسة، تم بحثه مع «الزعبي» التي نختار من إجاباتها أهمها وليس أولها، عن إمكانية تقدم مجتمعاتنا بعيداً عن دور المرأة التي نراها وفي ظلّ القرن الحادي والعشرين الذي نعيشه، تسبى وتوضع في سوق النخاسة:»يجب أن يتحرر الواقع العربي على كافة الأصعدة، بعدها تتحرر المرأة، وبالتالي تتحرّر قيم المجتمع عموماً.. شيء متوحش ما يجري للمرأة.. شيءٌ بشع ومرعب ولا يمكن تخيّله. نحن بحاجة لثورة داخل العقل. لن نتحرر دونها، العقل العربي لن يستيقظ إلا إذا تحرّرنا سياسياً واقتصادياً، وعبر مشروع سياسي عربي تقوده سلطة نهضوية وإلا لا شيء يجدي، وسنبقى هكذا، والنساء في سوق النخاسة»..
كل ذلك، قالته رداً على أسئلة، بالرغم من أنها كانت موجزة، إلا أنها حملت في مضمونها، ما حملتهُ أيضاً أجوبتها.
الأجوبة التي أكدت، بأنها ورغم إحباطها من قيام نهضة تنويرية، ورغم السعي إلى تحييدها لأنها وحسب صراحتها وجرأتها، متضامنة مع سورية والمقاومة اللتين تبعدان عن الديكتاتوريات التي لعبت دوراً بشعاً في التمادي الإسرائيلي-ذراع الإرهاب والوهابية.
أيضاً، التي أعلنتْ، بأنها وبالرغم من عدم سماعها لأي صوتٍ يدين ويحرِّم ماجرى من سبي وحرق وذبح وفتاوى تكفيرية، ورغم خلط المصطلحات وتحويل الإرهابي إلى ثائر والمقاوم إلى إرهابي، وتسخيف المقاومة والقضية الفلسطينية.
الأجوبة التي أكّدَت وأعلنت، بأنها مؤمنة بفشل المشروع الغربي-الصهيوني، وبأن المقاومة، هي من سيعيد الأمور إلى حقيقتها، وبأن على مجتمعاتنا، اقتلاع الدولة الغريبة الموجودة في واقعنا وثقافتنا.
باختصار، هو حوار العقل المقاوم الذي لايُساوم. حوار المثقف الذي لا يسعى لتسويق منجزة الإبداعي على حساب موقفه الجريء والوطني. الحوار الذي نحتاجه لنرتقي بفضائنا. الأهم، بعقولنا ومجتمعاتنا وإنساننا.