تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قرأت.. في.. «بيت المحرمات» لفظــــــت قلبـــــــــــــــي..

ثقافة
الجمعة10-1-2020
هفاف ميهوب

«في الصباح الذي أفقتُ فيه لأبدأ هذا الكتاب سعلت.. ثمَّة شيءٍ يخرج مندفعاً من حلقي.. كان يخنقني.. قطعت الخيط الذي يبقيهِ معلَّقاً، ولفظته إلى الخارج. عدت إلى فراشي وقلت: لقد بصقتُ قلبي»..

‏‏‏

هكذا يشعر الكاتب لحظة اندفاعِ الكلماتِ منه إلى عالمه، وهكذا شعرت الكاتبة الفرنسية «أناييس نن» وهي تدفع ما لديها من حكمة الحياة، إلى «بيت المحرمات».. هكذا شعرت وهي تنظرُ في وجه عالم متقلِّب العافية، كما إلى ذاتها التي كانت رؤيتها لها مجهولة التسمية.. تذكر ولادتها الأولى في الماء، وتنصتُ إلى الأصوات البعيدة-القريبة كالهواء، وبترنيمةٍ بربرية، تطلق أفكارها الفلسفية: «اخرجي عن دوركِ، واتركي نفسكِ لجوهرِ رغباتك الحقيقية، وللحظة غادري قيود انحرافاتك العدوانية.. أوجدي من جديد جوهركِ الذي هو أنا.. نصفكِ الذي فقدتِ.. ربة الأشياء المنكسرة..».‏‏‏

لاشكَّ أنها أفكارٌ، وإن أطلقتها كاتبة هي شاعرة منجذبة إلى عوالمِ الأحلام، إلا أن الواقع وما فيه من «جنون الأشياء التي تتدافع داخل النفس الواحدة» قادها إلى الشعور بأننا نحن البشر «لا نستطيع العيش ما لم يتّحد الجزء الواعي فينا مع الجزء اللاواعي، وهو ما نأمل اتحاده فينا للحصول على حياة رحبة الآفاق وكاملة»..‏‏‏

هي أيضاً أفكارٌ، ما اعتنقتها إلا سعياً لإيجاد الحقيقة. تلك التي بحثت عنها في حياتها وأفعالها كلّها، وسواء المظلمة والمسكوت عنها، أو المضيئة والمُعلنة التي أطلقتها: «كلُّ الحقائق، كلُّ الكلمات، كلُّ الصور، وكلُّ التنبُّؤات تحوم فوقي وتُضلِّل بعضها، وحين يصفعني ألم البشرية بضراوة، وعندما أصدأ من الغضب، أقوم دائماً بعد الصَّلبِ وأنا في رعبٍ من حالات صعودي إلى الشرخ في الحقيقة.. الاصطدام بالحقيقة، يُغشي بصري ويُغرقني في الحلم.. أحسُّ بالمسافة وكأنها جرح.. ثمَّة شرخ في رؤيتي، وسوف يظلُّ الجنون يتدفق من خلاله..».‏‏‏

باختصار.. «بيت المحرمات» هي نصوصٌ لروايةٍ كانت كاتبتها تشعر وكلّما بدأت بكتابةِ نصٍّ فيها، بأنها تنفصل عن أناها وتتحول إلى مفردات تنفذ إلى أعماق الحياة.. مفردات زجاجية، تتشكّل منها عوالمها التي لامكان فيها إلا للعوالم الحيّة.‏‏‏

إنها المفردات التي جعلتها «تخرجُ بسلامٍ من الأزمنة، ولكن بحدّة جرحتها». الأزمنة التي اضطرَّتها وعندما رأتها تتجول في كتابها، لمغادرته بنصوصها وكلماتها: «أنا دمية شدتها أصابع غير مدربة، مُزِّقت ونُزعت مني ذراعاي بقسوة. ذراعٌ ميتة، والأخرى تكتب بحماسٍ وسط الفراغ.. أريد أن أكون كاتبة تنبئ الناس بوجود اللحظات الفائقة، أريد البرهنة على وجود فضاء لا متناهٍ، ومعنى أبدي.. ذراعاي دائماً مشدودتين وفي توقٍ شديد للعناق، أردت أن أحضن وأن أعانق الضوء والرياح والشمس والليل وكل العالم.. أردت أن أهدهد وأن أحيط وأن أطوِّق.. عانقت الكثير حتى انكسرت ذراعاي وانفصلت عني»..‏‏‏

هذا ما قرأناه من «بيت المحرمات» لـ «أناييس نن».. الكاتبة والقاصة التي ولدت في فرنسا لأب موسيقي إسباني وأمٍّ دانماركية. أيضاً، التي ترسخت مكانتها الأدبية عند صدور مجلدات يومياتها التي عكست فيها - كما في كل أعمالها، تأثيرات الحركة السريالية والتحليل النفسي.‏‏‏

من أعمالها: «مضيعة الخلود» و»شتاء الحيلة» و»تحت جرس زجاجي» إضافة إلى سلسلة «مدن داخلية» التي تضمّ خمس روايات هي: «سلالم إلى النار» و»أطفال القطرس» و»القلب الرباعي الحجرات» و»جاسوس في بيت الحب» و»إغراء المينوتور»..‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية