تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فن وسوق وسياسة

الثلاثاء 12-11-2013
سعد القاسم

في ثمانينيات القرن الماضي، شهدت دمشق،وبضع مدن سورية اهتماماً غير مسبوق بالفن التشكيلي، ترافق مع ظاهرة افتتاح عدد كبير من صالات العرض الخاصة، وانتشار الأحاديث عن الأرباح الكبيرة التي تحققها،

هي والفنانين الذين يعرضون أعمالهم فيها، ويبيعونها من خلالها. قدمت في ذلك الوقت الكثير من التفسيرات لهذه الظاهرة أهمها ربطها بنشوء فئات اجتماعية جديدة ذات إمكانيات مادية كبيرة، تريد استكمال مظهرها الاجتماعي من خلال تزيين جدران بيوتها بلوحات أصلية لفنانين مشهورين،أو صاروا مشهورين، وعندما استكملت تلك الغاية تراجع سوق الأعمال الفنية،فأغلقت كثير من الصالات أبوابها، أو تحولت إلى نشاطات أخرى أكثر ربحية.لكن لم يمض وقت طويل حتى كان جيل جديد من صالات العرض العملاقة التي احتكر بعضها فنانين بذاتهم، ورفع أسعار لوحاتهم إلى مستويات بدت خيالية،قد فرض نفسه على الساحة،مشكلاً تحدياً كبيراً للصالات المتبقية، وخاصة بعد أن صارت بعض اللوحات تجد طريقها إلى المزادات الفنية الإقليمية ذات التسميات العالمية..‏

بدأت حالة ،وليس ظاهرة، بيع الأعمال الفنية في المزادات العلنية تشغل اهتمام الإعلام العالمي بشكل استثنائي منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد أن بيعت لوحة (عباد الشمس) لفان كوخ بخمس وعشرين مليون دولار لشركة مالية يابانية . وتبع ذلك بيع عدد من لوحات فنانين مشهورين راحلين بمبالغ مليونية بما بدا من الناحية الفنية والثقافية بأنه تأكيد لأهمية هؤلاء الفنانين وتجاربهم وأعمالهم،أما من الناحية الاقتصادية فقد كان الحديث عن شكل آخر من أشكال الادخار،ووسيلة لتخفيض حجم الضرائب المفروضة على المؤسسات الاقتصادية حيث القوانين تمنحها هذا الامتياز إن هي دعمت مالياً عملاً ثقافياً،ولكون الأعمال تباع في مزادات علنية كان الحديث أيضاً عن المضاربات.غير أن الجدل كان بشكل خاص من نصيب الأعمال المعاصرة مترافقاً مع سؤال رئيسي حول دور السوق في تحديد هوية المنتج الفني،وبالتالي تحديد توجهات الفن بمجمله، والملاحظ هنا أن اللوحات الفنية العربية كان لها نصيب ضئيل يكاد لا يذكر في تلك المزادات،حيث إن لها مزاداتها الخاصة التي تحمل أسماء شركات عالمية لكنها في واقع الأمر لا تدخل السوق العالمية وإنما تظل في إطار مجموعة من المضاربين المحليين،فتلفت الانتباه الأثمان المرتفعة غير الواقعية التي تباع بها لوحات بعض الفنانين العرب في مزادات فنية تنظمها شركات عالمية ،غير أن اللافت للانتباه أكثر أن من يشتري هذه اللوحات ينتمون إلى بلد الفنان نفسه، وليسوا أفراداً أو مؤسسات من الغرب،وبالتالي فإن هذه (المضاربة) ترفع القيمة المادية لتلك اللوحات إلى مستويات أعلى بكثير من مستواها الحقيقي،دون أن تدخل اللوحة العربية في السوق العالمية، فما يدخل تلك السوق هو فقط حصة شركات المزادات من (السمسرة)..‏

أثر مفاهيم السوق على الإنتاج الفني يتكرر بشكل مشابه مع بلدان أخرى في الجوار العربي حيث يشارك المضاربون المعارضون لنظامها السياسي في المزادات الفنية لرفع أثمان لوحات فنانين من بلدهم سينتمون إلى لونهم السياسي نفسه، ويمنحونها بذلك قيمة فنية لا تمتلكها في واقع الحال، وبالتالي يتم تسليط الضوء على صاحب اللوحات الباهظة الثمن على حساب فنانين غيره أكثر أهمية وموهبة وبراعة،ومقابل هذه الرشوة الفنية يستثمر صانع اللوحات دعائياً لغايات سياسية..‏

سوق المضاربات الفنية،أو المزادات العلنية،حالة قديمة متجددة يتداخل فيها الفن مع الاقتصاد والسياسة،وربما كذلك الأعمال المالية غير المشروعة كغسيل الأموال،وبالنسبة للقوى المسيطرة على هذه السوق فإن سيطرتها هذه تمنحها مكاسب متنوعة،وقدرة على استثمار الفن لغاياتها السياسية.‏

غير أن الدور المعرفي والاجتماعي للفن يبقى في مكان آخر..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية