تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بولات أكودجافا.. شاعر الحياة والحرب والحب

الملحق الثقافي
25-6-2013م
د. ثائر زين الدين:ولد بولات شالفوفيتش أكودجافا في التاسع من أيار 1924 في موسكو، وعاش فيها، وفي نيجني تاغيلا وتبليسي قبل الحرب.

عام 1942 يترك المدرسة وهو في الصف التاسع، ويلتحق بالجيش متطوعاً، فيخدم في طاقم مدفعيّة الهاون، ويبلي في المعركة بلاءً حسناً ويصاب فيها بجراح ثخينة.‏

بعد أن يتعافى ويخرج من المستشفى، يعمل في الاتصالات العسكرية، ثم يترك الخدمة العسكريّة عام 1945 ليكمل تعليمه فينهي الصف العاشر.‏

يحصل على الإجازة في الآداب من كليّة الآداب – في جامعة تبليسي عام 1950، ويعمل لمدة عامين مدرّساً للغة الروسيّة وآدابها في مدارس بلدة شاموردينو في مقاطعة كالوغا، ثم ينتقل بعد ذلك عام 1952 إلى إحدى مدارس مدينة كالوغا نفسها.‏

خلال عامي 1953- 1954 يعمل في إدارة تحرير صحيفة «مولودوي لينينتس – اللينيني الفتي»، ثم ينتقل عام 1956 إلى موسكو ليعمل رئيساً لدار نشر «مولودايا كفارديا – الحرس الفتي»، ورئيساً لقسم الشعر في الصحيفة الأدبية «ليتيراتورنايا غازتيا – الصحيفة الأدبية»، منذ عام 1962 يصبح عضو اتحاد الكتاب السوفييت، ويعمل على تأسيس جماعة «المغنّون – مؤلفو أغنياتهم».‏

كتب الشعر منذ طفولته، ولأنّه كان عازفاً ومؤلفاً موسيقيّاً وذا صوتٍٍ جميل، فقد لحّن ومنذ شبابه المبكّر الكثير من قصائده وغنّاها وهو يعزف على الغيتار، و شاعت تلك القصائد – الأغنيات وأدّاها كثير من كبار المغنّين.‏

أولى قصائده المغنّاة حملت عنوان «لم نستطع النوم في مقطورة الفحم»، وكان ذلك عام 1943. واليوم تسمع قصائد أكودجافا المغنّاة – في الأفلام السينمائية، والمسرحيّات، ومحطّات الراديو، وقد كتب قصصاً تاريخيّة وأخرى قدّمت سيراً حياتيّة، كما كتب سيناريوهات لعديد من الأفلام، وصدرت له أكثر من مجموعة شعريّة وعديد من الأسطوانات في روسيا وخارجها.‏

يغلب على قصائده الهم الإنساني العام، والحب العميق للمرأة والوطن، وقد أعلنَ عن ذلك في أكثر من حوار أدبي معه: «إن موضوعة قصائدي المغناة هي- الحب؛ منذ زمن طويل – تقريباً- لم يغنوا عندنا عن الحب، وظلت المرأة في الآن نفسه وبالنسبة للكثيرين كائناً يبعث على الشك، وأنا انطلاقاً من احتجاجي على المراءاة والنفاق قررت أن أغني المرأة كائناً مقدساً، وأن أركع أمامها على ركبتي، عليَّ أن أعترف أن السخرية هذه المرة قد خذلتني، فإذا ما أحسستم بشيء منها، فإنما هي سخرية من نفسي كمؤلف لهذه النصوص- الأغنيات، التي تعكس عجز الرجل، وحظه العاثر».‏

وقد استطاع ربّما بسبب غنى حياته الشخصيّة وعمق تجاربه في الحياة والحرب والحب وعمق معرفته بفلكلور شعبه وأدبه الشعبي أن يلتقط الأشياء العاديّة اليوميّة البسيطة ويحوّلها إلى قصائد جميلة ذات موسيقا هارمونيّة عالية الانسجام.‏

وقد توفّي في باريس في الثاني عشر من حزيران 1997.‏

وهنا نماذج من أشعاره:‏

«......... «‏

الباخِرَةُ تودّعُ الشاطئَ بالصفير‏

وتمضي تتقاذفها الأمواج‏

لقد أخطأتُ كثيراً في حياتي،‏

أما آن لي أن أتوقف عن ذلك؟‏

وهأنذا أحزمُ أمتعتي من جديد‏

وثانيةً.. أرتكبُ الأخطاء.‏

وهناكَ عند الشاطئِ يصرخُ بي أحدٌ ما:‏

ليس هذا طريقاً، بل هو البحر!‏

ولكنني أسرعُ مبتعداً.. مبتعداً:‏

الحياةُ لا تُمْنَحُ لكَ مرتين!‏

1957‏

حافلةُ منتصف الليل‏

عندما لا أقدرُ على التخلّص من المصيبة،‏

ويوشكُ اليأسُ أن يتملكّني‏

أصعدُ إلى الحافلةِ الزرقاء دونَ تفكير!‏

الحافلة الأخيرة،‏

الحافلة التي تمرُّ مُصادفةً.‏

أسرعي يا حافلةَ منتصف الليل في الشوارع‏

ودوري في البولفارات المتحلّقة‏

لعلكِ تّلميّن كل من عانى هذه الليلة‏

من الهزيمة،‏

من الخيبة.‏

افتحِي لي بابك يا حافلةَ منتصف الليل!‏

أنا أعلمُ كيف يأتي‏

في منتصف الليل الباردِ‏

ركّابك – بحّارتك‏

ويهبّونَ للمساعدة.‏

كم من مَرّة استطعتُ معهم تجاوزَ مصيبتي،‏

وكانت أكتافنا تتلامس..‏

ولكمْ أن تتصوّروا كم من الطيبةِ‏

في الصمتِ المتبادل؛‏

في الصمت.‏

حافلةُ منتصفِ الليلِ تسبَحُ في موسكو‏

وموسكو، كما النهر، تذهَبُ في الهدوء‏

والألم؛ الذي كان يقرعُ الصدغين،‏

كأنهما بيت الزرازير...‏

يخمدُ‏

يخمدُ‏

1957‏

إلى اللقاء أيّها الأولاد‏

آخ أيتها الحرب؛ أيتها السافلة، ما الذي فعلتِهِ:‏

أصبحت فناءاتُ بيوتنا لا حركةَ فيها،‏

لقد رفَعَ أطفالنا رؤوسهم –‏

وكبروا قبلَ أوانهم،‏

وبالكاد كان بإمكاننا أن نلاحظهم‏

عند العتبات حتى انطلقوا‏

خلفَ الجنودِ – جنوداً....‏

إلى اللقاءِ يا أولاد‏

يا أولاد‏

واحرصوا أن تعودوا إلينا.‏

لا تختبئوا، كونوا طوال القامات‏

ولا تبخلوا بالرصاصِ، والقنابل اليدويّة.‏

ولا ترأفوا بأنفسكم!‏

ومع ذلك‏

حاولوا أن تعودوا إلينا.‏

1958‏

«..............»‏

أرخِ أيتها الممرّضة، لو سمحتِ، الستائر الزرقاء‏

ولا تحضري لي أي دواء‏

فها هُنّ مقرضاتي يقفن إلى جوار سريري‏

صامتات: فيرا، ناديجدا، لوبوف‏

لقد انفقَ هذا الولد زمناً غير قصير‏

حتى أن محفظتَهُ الفارغة تتساقط من يده!‏

لا تحزني، ولا تبتئسي يا غاليتي فيرا‏

سيبقى لديك مدينونَ غيري!‏

وسأقولُ – من بعد – برقّــةٍٍ وحنو‏

وأنا أنحني على يديكِ أقبلهما شاعراً بالذنب:‏

لا تحزني، لا تبتئسي أيتها الأم ناديجدا-‏

مازالَ لديكِ أبناءٌ على هذهِ الأرض‏

أبسطُ نحو لوبوف راحتين فارغتين‏

فأسمعُ صوتَها التائبُ يقول:‏

لا تحزن، لا تبتئس، الذاكرةُ لا تفتر‏

لقد وهبتُ نفسي لأجلك‏

طاهراً.. نقياً أستلقي في ضياء الفجر‏

قبيل ولادةِ يومٍ جديد...‏

أخواتٌ ثلاث، زوجاتٌ ثلاث،‏

قاضياتٌ رحيماتٌ ثلاث:‏

يفتحنَ حساباً أخيراً لي‏

1959‏

«........ «‏

إلى غ. ب‏

ظلامٌ هنا يحجبُ كل شيء‏

سكون كما في القاع‏

يا صاحبة الجلالة، أيتها المرأة‏

أحقاً أنتِ قادمةٌ إلي؟!‏

شحيحٌ ضوء الكهرباء هنا‏

والماء يقطرُ من السقف‏

يا صاحبة الجلالة أيتها المرأة‏

كيف قصدتِ هذا المكان؟‏

آه، قدومكِ.. كالحريق‏

دخانٌ وصعوبةٌ في التنفس‏

لكن تفضلي، ادخلي‏

لماذا تقفين عند العتبة؟‏

من أنتِ؟ من أين جئت؟‏

آخ، يا لي من رجلٍ مضحك‏

ببساطة لقد أخطأتِ الباب‏

والشارع والمدينة والقرن!‏

1960‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية