تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأدب وعالم الآخر

الملحق الثقافي
25-6-2013م
د. محمد ياسر شرف

اتسم الأدب على مدى آلاف السنين بأنه النافذة الأرحب في استقاء الأمثلة على عالم «الآخر»، وقبل أن تتحصل لدى الباحثين السايكولوجيين معلومات

تجريبية عن الجهاز النفسي بقرون طويلة، على نحو ما تشهد به غالبية المنقولات الحضارية في التجارب الثقافية المرموقة.‏‏‏

وتشير الأعمال الأدبية التي تنقل تجارب «الحب» على سبيل التخصيص إلى واحد من أوضح نماذج تجسيد العلاقة بين «المحب» المبدع و»موضوع إبداعه» عبر حالة من حالات الظهور «العاطفي» بوساطة استخدام المخزون التعبيري للغة التي تُعدّ «الأداة» العملية بين يدي الأديب.‏‏‏

وقد يكون ذلك المحبوب الآخر فتاة أو رجلاً يحظى باهتمام المبدع، باعتباره «فرداً إنسانياً» ذا عواطف قابلة للإيصال على الأقلّ، إن لم تكن قابلة للتبادل. أو قد يكون ذلك الآخر تعبيراً عن «ميل عاطفي» عام موجّه خارج الذات الفردية، بما هي مطبوعة على الميل إلى ذوات خارجية نظيرة تجتذب أمثالها وما يشبه تكويناتها الخاصة، ضمن منظومة من التجاذب والتنافر المؤسسين على القبول والرفض، حسب الحالات الراهنة والظروف المرافقة.‏‏‏

إذ يبدو أنّ المبدع في أثناء تعبيره عن الحالة النفسية، خلال لحظة الإبداع، ينطلق من مجموعة اعتبارات «جمالية» تضفي على موضوع التوجّه بالحب شيئاً من الشمولية، فيجعل ما ينتجه من «نص أدبي» قابلاً التطبيق على أي أنثى أو أي ذكر، تبعاً لجنسنة المبدع الأدبية نفسها، بما هو عمل تأثيري ينحو إلى «مخاطبة» الآخر وتبادل العواطف المشتركة استقبالاً وإرسالاً.‏‏‏

ولذا غدت الأعمال الأدبية مظنّة مرجوحة الاحتمال لتحصيل مشاعر الرضى عن النفس، والاحتفاء بمواقف الراحة، كما كانت - في الوقت نفسه - مسبّبة لتحريك مشاعر رفض الوضع والازورار عن الارتكان إلى الهدوء والسكينة. فاتضحت عناصر متفاوتة التصنيف، وبان إمكان وضع التصنيفات الكثيرة في فرز الأعمال الأدبية، حسب محتواها أو أغراضها، وغير هذين الاعتبارين في بُنية المقاييس الوصفية لدراسة الأدب، مهما كانت اللغة التي يتمّ بها التعبير عن منازع الذات المبدعة وشخصية الآخر الموصوف في نصوصها.‏‏‏

ولكم يبدو في الأعمال الأدبية - على اختلافها التصنيفي - غير قليل من «الكشف» التلقائي عن الأحاسيس والإدراكات والانفعالات الموجّهة، نحو غرض أساسي أو رئيس يتمثل غالباً من خلال «صورة الآخر المحدّدة» التي تقوم مقام «النموذج الإضفائي» المنجَز في العمل الأدبي، بما يجعل تلك الصورة نوعاً من «التجريد» القصدي، في وقت يتطلّب التفكير فيه غير قليل من «الحصر» في بيان طبيعة العلاقة القائمة بين طرفين.‏‏‏

وكثيراً ما نجح الناقد الأدبي في اكتشاف البُنية التكوينية لصورة المحبوب، الآخر الذي يشكل وِجهة العواطف الفاعلة، من خلال صنوف التركيبات اللغوية لألفاظ مشتركة مع آلاف الآخرين الناطقين بلغة واحدة، أو دون التوقف عند خصوصية اللغة التي تفترض وجود تشكيلات خاصة مفروضة من جانب «القيود» التي هي قواعد اللغة، القابلة للتحديد، في أي لغة من لغات النص الأدبي الممكنة.‏‏‏

هذه الفاعلية «الإنتاجية» لا تقف عند حدود «الخضوع» للترابطات اللفظية المألوفة أو المكشوفة في اللغة، لأنها لا تقبل التوقف عند حدود التعبير الشكلي الذي يتمثل من خلال قواعد الصياغة والإعراب وما يتمّمهما؛ بل هي تخترق الشكل الخارجي للصياغة باتجاه وضع صورة متحرّكة لأواصر نفسية تتجه إلى التواصل وتكوين «وحدة» سايكولوجية، تتلامح أطيافها عبر أسداف الأخذ والعطاء، متجاوزة الأوضاع الساكنة والوصفات الجامدة، التي كانت الأعراف والتقاليد تحاول تسويق «صلاحها» للاتباع، باعتبارها أقرب إلى «النماذج الإرشادية» التي تساعد الرجال والنساء، منذ نعومة أظفارهم، على عدم الوقوع في «مصيدة القلب» التي كانت الفظائع مقرونة بكثير من تأثيراتها الموصوفة في مرويات اتقاء الآخر المؤرّقة، والتي تودي بالقبيلة والعشيرة والأسرة إلى الهاوية، حسب ما كانوا يحلفون.‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية