تحل بعد بالرغم من تنحي الرئيس علي عبد الله صالح، ولم يعبر اليمن فعليا إلى مرحلة ما بعد صالح بالرغم من تنازل الأخير عن الحكم لنائبه عبد ربه منصور هادي، وفي ذات الوقت تشتعل المعارك بقوة في عدد من مناطق الجنوب بين الجيش اليمني وعناصر تنظيم القاعدة وتأخذ طابعا أكثر دموية، وتحضر الولايات المتحدة الأميركية بقوة في هذا الصراع من خلال غارات طائراتها المقاتلة على تجمعات التنظيم مما يتسبب بسقوط المزيد من القتلى والجرحى بين المدنيين الأبرياء.
فما زال المشهد اليمني الداخلي يعيش أجواء ضبابية بسبب محاولات الجناح الموالي للرئيس السابق صالح رفع راية التمرد على قرارات الرئيس الجديد منصور هادي والتهديد بوضع عراقيل أمام مهام الرئيس هادي وحكومة باسندوة، التي تبدأ بإعادة هيكلة الجيش اليمني وإطلاق حوار وطني للخروج من حالة التجاذب القائمة وبناء الثقة بين الحكومة وقوى المعارضة بألوان طيفها المختلفة سواء الحراك الجنوبي أو ثوار الميادين في صنعاء وتعز وغيرهما من المدن اليمنية ممن يشككون في مصداقية المبادرة الخليجية التي اعتمدت أساسا لحل الأزمة.
وقد زادت شكوك اليمنيين حيال هذا الأمر بسبب تصريحات المبعوث الأممي جمال بن عمر والتي أكد فيها عدم واقعية مطالبة البعض بضرورة إنهاء عملية هيكلة الجيش اليمني كشرط لبدء الحوار الوطني، ومطالبته بتمرير هذين الاستحقاقين بشكل متزامن، ولا سيما أن موقف بن عمر عزز التسريبات حول وجود ضغوط أميركية على الرئيس هادي لعدم المضي قدما في إبعاد رموز النظام السابق عن المؤسسات الأمنية أو إضعاف وتيرة الهيكلة مخافة أن يكون للإبعاد السريع تأثيرات سلبية على الحرب الأميركية على ما يسمى الإرهاب.
في المقابل هناك وجهة نظر مغايرة تقدم تبريرات أخرى لعدم تفضيل واشنطن الوتيرة السريعة لإبعاد رموز النظام السابق عن المؤسسات الأمنية والجيش تتمثل في رغبة واشنطن باستخدام ورقة صالح وأنصاره الكثر لابتزاز الرئيس الجديد وحكومته وإجبارها على تقديم تنازلات قاسية فيما يتعلق بالحرب ضد تنظيم القاعدة ومنها استخدام الأراضي اليمنية لمطاردة عناصر التنظيم وإقامة قواعد للمراقبة الدائمة، والعمل على استمرار السيطرة الأميركية الكاملة على مضيق باب المندب، ومنع صنعاء من تقديم تسهيلات للقوى الدولية الساعية لأخذ موطئ قدم في هذه المنطقة الحيوية، وقد تبنت واشنطن هذا النهج مع الرئيس صالح وليس الرئيس هادي بمنأى عن هذا السيناريو في نهاية المطاف.
ولكن في مطلق الأحوال فإن استمرار وجود أبناء صالح وأقربائه على رأس الجيش والمؤسسات الأمنية « العقيد أحمد علي عبد الله صالح قائد للحرس الجمهوري، وشقيقه الأصغر عمار قائد قوات الأمن المركزي، والعديد من الضباط الكبار المحسوبين على آل الأحمر أقارب صالح وحلفائه ما يزالون في مواقعهم الأمنية والعسكرية» وهذا ما يضعف سلطة هادي ويقلل من احتمالات خروج اليمن من أزمته، مع وجود تكهنات بوجود نوع من التواطؤ بين الأجهزة الأمنية في الحرب على القاعدة، وهو تواطؤ منح هذا التنظيم الإرهابي فرصة ذهبية للتمدد في الأراضي اليمنية خصوصا في الجنوب والشرق مستغلا غياب الإرادة داخل الجيش اليمني مما جعله لقمة سائغة لهجمات القاعدة الإرهابية وهذا ما جعل الجيش يدفع ثمنا غاليا في الأسبوع الماضي حيث سقط المئات من أفراده بين قتيل وجريح في تفجيرات انتحارية شبيهة بالتي ينفذها تنظيم القاعدة في سورية باعتراف الأميركيين أنفسهم.
اليمن يواجه اليوم خيارات صعبة تجعله مضطرا لأخذ زمام المبادرة في الحرب ضد القاعدة وعدم السماح للولايات المتحدة الأميركية باستباحة أراضيه وأجوائه بحجة محاربة القاعدة وملاحقة فلولها الإرهابية وهو تبرير استخدمته واشنطن في احتلالها لأفغانستان والعراق، وهذا الأمر صعب التحقيق في ظل استمرار الصراع داخل المؤسسة العسكرية والأمنية بين المؤيدين لصالح والموالين للرئيس الجديد وحكومته، واستمرار حالة التجاذب بين القوى السياسية وثوار الميادين، وهو صراع إذا ما استمر فإنه سيأخذ اليمن إلى حافة الهاوية وسيضع وحدته واستقراره في مهب الريح.
في ظل هذا المشهد القاتم الذي تكثر فيه القنابل الموقوتة سواء من قبل تنظيم القاعدة أو الولايات المتحدة وبعض الدول المجاورة أو من قبل المتضررين من التغيير الداخلي سيواجه الرئيس هادي وحكومته صعوبات جمة في سعيه لهيكلة الجيش اليمني ومن ثم السير باتجاه الحوار الوطني، لاسيما أن عددا من القوى المهمة على الساحة اليمنية وفي مقدمتها ما يسمى الحراك الجنوبي وثوار الميادين المختلفة غير مقتنعين بعد بالانخراط في الحوار الوطني من دون هيكلة الجيش، وهذا الأمر دونه تحفظات كثيرة من قبل قوى إقليمية ودولية لها مصالح في إبقاء اليمن في حالة عدم الاستقرار والتوازن التي يمر بها.
وهذا ما يجعل الأوضاع اليمنية حبلى بالتطورات السلبية التي تهدد أمن البلاد واستقرارها ووحدتها أكثر منها مناسبة للمحافظة على الوحدة وطي صفحة الماضي الأليمة.