تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


من أعلام الفكر والثقافة

ثقافـــــــة
السبت 2-6-2012
د. جورج جبور

(1) عجيب أمر الذاكرة نظرت في جدول محتويات كتاب الصديق الدكتور محمود أحمد السيد وزير التربية والثقافة الأسبق فعادت بي الذاكرة إلى العام الدراسي 1959-1960 في جامعة دمشق

لعل في ما خطه المؤلف بيده إهداء لي ما أثار الذاكرة: «رمز مودة لا تأفل» إهداء من جنس عنوان الكتاب: نجوم لا تأفل ما أن قرأت محتويات الباب الأول حتى تنبه الذهن إلى ذكريات مع كل واحد من السبعة الأوائل ، لي مع كل واحد منهم قصة، كذلك الأمر مع ما قرأت من محتويات الباب الثاني ألزمتني شهية الكتابة بالتعبير عما تملكني من التذكر، كبحت جماح الشهية فاخترت الاقتصار على ذكريات مع اثنين ممن وردت أسماؤهم السبعة في الباب الأول المخصص لما قاله المؤلف في ندوات تكريمية لأولئك الأعلام أما الباب الثاني المكرس لكلمات رثاء في ثمانية أعلام أخر فأترك لمناسبة قادمة- قد تأتي وقد تغيب - تسجيل ماورد في الخاطر من ذكريات مع هؤلاء الذين كان للسيد أن ينشر مراثيه لهم.‏

(2)‏

لماذا اخترت اثنين هما الدكتور شكري فيصل والدكتور عبد الله عبد الدائم؟ يكمن شيء من السبب في موسم الانتخابات التشريعية الذي تشهده سورية هذه الأيام ويكمن كل السبب في أن المعلمين الكبيرين وشخصي الضعيف ضمتنا على قدم المساواة لجنة من المحتمل أن يكون ثراء إنشائها في ورقة من أوراق كثيرة تضمها ملفات قديمة أرفض أن أتلفها، ضم قرار إنشاء اللجنة أسماء العلمين الشهيرين بالإضافة إلى اسمي كانا عضوين في الهيئة التدريسية لكلية آداب جامعة دمشق وكنت ذا لقب مطول محترم انتجته انتخابات اتحاد الطلبة المقرر العام للجان الثقافة في اتحاد طلبة جامعة دمشق كانت مهمة اللجنة دقيقة محددة اختيار الطلاب الذين سيشكلون الوفد الثقافي ضمن الوفد العام لاتحاد طلبة جامعة دمشق الذي سيسافر إلى القاهرة للاشتراك في أسبوع شباب الجامعات الذي يقام في القاهرة أوائل شهر شباط عام 1960.‏

كبير عدد الطلبة الذين تقدموا بطلباتهم ليكونوا في الوفد الثقافي ومع طلباتهم أوراق اعتمادهم أي نماذج من أعمالهم الثقافية هم بالعشرات وربما تجاوز عددهم المائة والأماكن محدودة تحتشد جموعهم خارج القاعة التي تشهد اجتماع اللجنة الطلابية، كنت أول من وصل إلى باب القاعة من الثلاثة إلا أنني كنت آخر من دخل منه. للزملاء من الطلبة حق علي ليس لهم مثله على العضوين الأستاذين يزدحم زملائي الطلبة حولي يسدون طريقي يذكرني كل منهم بانجازاته وبصداقته، يذكرني بعض منهم بأنهم كانوا في عداد من انتخبوني لولاهم لما كان لي هذا المجد معيار الاختيار ثقافي إلا أن السياسة رأسها الذي ترفعه ينتسب معظم الناجحين من الطلبة في انتخابات اتحاد الطلبة إلى تيار فكري واحد هو البعث فهل سيكون الوفد الثقافي من مدرسة فكرية- سياسية واحدة؟ ماذا عن الموهوبين الثقافيين من المدارس الأخرى ولاسيما من مدرسة المحافظين؟ رئاسة الاتحاد؟ وقمة هرمها الأستاذ توفيق المنجد وكيل الجامعة واعية حريصة على التوازن إذن كان من الحكمة تقييد حرية الطالب المنتخب وليكن القيد حريرياً مقبولاً متوازناً. هكذا اختار الأستاذ الجليل توفيق المنجد أن يكون في اللجنة أستاذان محترمان أحدهما من الاتجاه الغالب وهو الدكتور عبد الله عبد الدائم وثانيهما من اتجاه ثان وهو الدكتور شكري فيصل، هكذا يتم الاختيار بحكمة ترشد نزق ممثل الطلبة.‏

كانت جلسة حافلة دامت ساعات يحتدم فيها النقاش بين الفينة والأخرى يناقش بعصبية معظم الأحيان عضو اللجنة الطالب المنتخب يتفق الأستاذان فلابد من القبول. سوف تنخفض شعبية الطالب المنتخب بين زملائه الطلبة لابأس. تنتصر المصلحة العليا، مصلحة تمثيل الأطياف الفكرية كلها وللطالب عضو اللجنة أن يقول لتياره:لاأستطيع مغالبة الأستاذين إن اتفقا أليس أحدهما واحداً من أيقوناتنا أي من رموزنا الفكرية؟‏

وشاء أحد الأستاذين ذات لحظة في النقاش أن يضبط حماسة الطالب المستعجلة إقرار قبول أحد المرشحين قال مداعباً باحتجاج وحزم ومحبة: كأن المقرر بيننا صاحب القرار وكانت إجابة واضحة المقرر هو المنتخب الذي يمثل الغالبية من الطلبة وقع على عضو اللجنة الثالث أن يتدخل شاء متابعة المداعبة بالحديث عن معنى كلمة مقرر هل هو صاحب القرارأم هو من سيكتب التقرير عن عمل اللجنة ترجمة لكلمة Ramporteur ؟ استطاع المخرج اللغوي التخفيف من حدة النقاش وكان لابد من أن يرضى الجميع‏

في أوساط المنتخبين من الطلبة كان يتصاعد التساؤل : هل نحن قاصرون لكي نقبل الوصاية علينا من رواد اللجان؟ كان لكل لجنة مقرر من الطلبة ورائد من هيئة التدريس .‏

لا تصح قرارات اللجنة - أي لجنة من الاتحاد - إلا إذا كان رائد اللجنة موافقاً على مايراه المنتخبون ثمة ديمقراطية،ولكنها ديمقراطية مرشدة موجهة لاتخل بالنسيج السياسي - الفكري العام المتنوع . تلك كانت المسألة وهي - كمانرى - مستمرة معنا ومع غيرنا من المجتمعات والتنظير في أمر الديمقراطية باب مفتوح لايغلق.‏

(3)‏

تم التوصل وبعد لأي دام ساعات إلى اتفاق على قائمة الطلاب المحظوظين الذين سيتألف منهم الوفد الثقافي أعلنت الأسماء والثلاثة في القاعة. لم يغادروها إلابعد أن انفض الحشد الطلابي خارج القاعة . بعد أيام كانت الطائرة تقل وفد اتحاد طلبة جامعة دمشق إلى القاهرة. عمل معاً أعضاء الوفد الثقافي في انسجام كامل . كان الهدف الانتصار على المنافسين في الوفود الثقافية من الجامعات والمعاهد العليا المصرية ، خبر وفدنا تجربة خلية النحل المتآلفة المتكاتفة الدؤوبة ولاسيما في عمل يتطلب ذلك : إصدار محلية باسم اتحاد طلبة جامعة دمشق.‏

كانت عديدة أوجه النشاط الثقافي الخاضع للتقييم . مسابقات في الشعر والخطابة والرسم، إلاأنها كانت مسابقات فردية، أما إصدار مجلة فكان يتطلب العمل معاً . في ملفاتي ورقة تتضمن أسماء أعضاء الوفد الثقافي .إلا أن الذاكرة تحتفظ بأسماء من عمل معي مباشرة في إصدار المحلية التي أعطيناها اسم العروبة . نسيم سفر جلاني الذي أصبح في وقت لاحق بعد ثورة آذار محافظاً للاذقية فأميناً عاماً للقصر الجمهوري وقد انتقل منذ سنوات إلى رحمة الله.‏

سمير كحالة رسام الكاركاتير الشهير الذي تابع في وقت لاحق إصدار أسبوعية المضحك المبكي مجلة والده حبيب ، وهو الآن مقيم في باريس.‏

مأمون طباع الذي غادرنا إلى دار الحق قبل سنوات قليلة تاركاً في دمشق معلماً ثقافياً هاماً هو المنتدى الاجتماعي.‏

نشأت حمارنة الذي يتذكر دائماً وصفي له في إحدى الجلسات الاتحادية بأنه مسدس المواهب أي أن مواهبه المتعددة تسمح له بأن يكون علماً في لجان اتحاد الطلبة الست.‏

ثم إن مجلتنا حازت قصب السبق على مجلات الجامعات والمعاهد العليا المصرية فزنا بالجائزة الأولى منحتنا الفوز لجنة رئيسها الأستاذ أحمد بهاء الدين الصحفي العربي الكبير ، منه تسلمت شهادة الفوز .‏

وحين عدت سلمتها إلى رئيس الاتحاد الأستاذ توفيق المنجد أين هي ياترى ؟ يقال : سوف تنشئ جامعة دمشق متحفاً يعرض أهم معالم تاريخها . هل ستكون وثيقة فوز المجلة ضمن معروضات المتحف؟‏

انشغلت بالحديث عن الزملاء الطلبة ماذا عن الأستاذين الكبيرين اللذين خصهما الدكتور محمود السيد بدراسات في ندوتي تكريم لهما: فيصل وعبد الدائم ؟ فأما الدكتور شكري فيصل فقد عين بعد أشهر قليلة من زمالتي اللجنوية معه عضواً في مجلس الأمة الذي ضم سوريين ومصريين في إطار الجمهورية العربية المتحدة .‏

ولي هنا عتب على الدكتور السيد: لماذا لم يذكر في تعريفه بالدكتور فيصل ص 9-10 من كتابه الذي أطلق هذا السيل من الذكريات ، لماذا لم يذكر أنه عين عضواً في مجلس الأمة ؟ أفما يزداد تألق المعلم إذا عمل في الشأن العام ؟ نعم وبالتأكيد.‏

لم ألتق بالدكتور فيصل منذ جمعتنا تلك الجلسة التاريخية إلالماماً وأذكر أنني في كل مرة ألتقيه بها كان يبادرني هاتفاً بوجه بشوش : ألست أنت المقرر؟ فأعاجله : المنتخب ونتضاحك معاً.‏

وأما الدكتور عبد الدائم فقد استمرت صلتي به في دمشق فباريس فدمشق وعبر عديد من المؤتمرات التي شاركنا بها معاً .‏

ومنها مؤتمر في القاهرة عام كانت عاصمة للثقافة العربية .‏

في ذلك المؤتمر كانت لدي وقفة مع اللغة العربية في تعقيب مكتوب مطول موصى عليه مسبقاً على ورقة بحثية لرئيس مجمع اللغة العربية الأردني، ثم لن أنسى أنه قبل وفاته بأمد قصير أرسل لي من فراش مرضه وبخط يده تقريظاً للطبعة الثانية من كتابي : وعد بلفور زين الطبعة الثالثة.‏

(4)‏

جمعني حلف الفضول بزميل من أيام المقررية عام احتفل بحلب عاصمة للثقافة الإسلامية، كانت لي محاضرة في مركزها الثقافي عن حلف أعتبره أول وثيقة لتنظيم الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم إلى أن يثبت العكس.‏

من خلال المركز وجهت دعوة حضور إلى معلم مرشد شاعر أديب صوفي زاهد مقيم في منبج اسمه محمود منلا غزيل .‏

لم أكن على صلة وثيقة بالطالب محمود أيام الدراسة الجامعية كنا معاً في كلية الآداب هو في قسم اللغة العربية وأنا في قسم الفلسفة ،كنت أعرف عنه نظمه الشعر.‏

في العدد الثاني من مجلة العروبة الذي صدر أواخر العام الدراسي 1959-1960 وكنت رئيس التحرير أصدرت ونجحت رغم معارضة بعض أعضاء هيئة التحرير في نشر قصيدة له ثم انقطعت عني أخباره ثم أخذت تردني مطالع القرن الحادي والعشرين شذرات من أثره في محيطه ربما أنه ذكر اسمي لدى بعض الأصدقاء المشتركين، كانت بيننا محادثات هاتفية تحمل قدراً من المودة المتبادلة لم أتبين ملامحه بين جمهور مستحقي محاضرتي في المركز الثقافي عن حلف الفضول رغم تأكيدات بأنه موجود. ما إن ختمت كلامي حتى نودي عليه باسمه معقباً إذا به يرتدي جلباباً لم أعهده يرتديه تحدث فأجاد ثم عاد إلى جلسة اللجنة الثلاثية تلك أوائل عام 1960 قال: بلغة أنني استبعدته من الوفد الثقافي الذاهب إلى مصر أخذت الكلام بعده فأوضحت أن القرار لم يكن كله بيد المقرر، أحببت أن نتسار بعد انفضاض الجمع إلا أنه سارع إلى مغادرة المركز لسبب وجيه، أزف الموعد الذي فيه تنطلق من حلب الحافلة الأخيرة المتجهة إلى منبج اتفقنا على السعي لترتيب لقاء آخر، دعاني إلى منبج لم تتح لي حتى الآن فرصة تلبية الدعوة أرسل له- إن شاء الله- صورة هذه الصفحات إلى منبج هو موضع تقدير عميق من مدينته ولن يخطئه ساعي البريد.‏

(5)‏

عجيب أمر الذاكرة . جدول محتويات في كتاب الصديق الأديب المربي الدكتور محمود السيد عاد بي إلى أحداث مضى عليها نصف قرن ونيف، في كتابه تحدث الدكتور السيد عن نجوم لاتأفل وفي إهدائه لي عن مودة لاتأفل فإذا بي أدون صفحات عن مشاعر ولاأود لها أن تأفل.‏

نقلة مدهشة كانت حصيلة تفاعلي مع كتاب قيم يحفظ القيم ويحتفي بالقيمين عليها .‏

لكنني أخبئ في سطور الختام هذه نقلة مدهشة أخرى وأكبر حدثت مفوضين ساميين لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن حلف الفضول وعن ضرورة الإشارة إليه في الأدبيات الدولية المؤرخة لحقوق الإنسان .‏

نجحت جزئياً - عشية الذكرى الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أصدرت المفوضية السامية بياناً أشارت فيه إلى حلف الفضول على أنه إحدى الوثائق التاريخية في مسيرة البشرية باتجاه حقوق الإنسان .‏

أشاد مسؤولون دوليون بحلف الفضول المبارك نبوياً. أما المسؤولون العرب فمايزالون صامتين، رغم محاولات أعرف أن الدكتور السيد لم يقصر في القيام بها يوم تقلد وزارتي التربية والثقافة ...أفترضى عن أفول حلف الفضول ياأبا بيان؟ .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية