والأفعى تصطاد الحشرات والفئران والجرذان وكل ما هو مضر في حياة الإنسان.
وفي الميثيولوجيات العربية القديمة إن الأفعى أو الثعبان مقدسان، وليس فيهما دنس، وتقول الأسطورة أن الأفعى هي التي أغرت حواء بأكل التفاحة، جاء إبليس على صورتها كي يخرج آدم وحواء من الجنة لكن إبليس استخدم الأفعى الحقيقية التي تمنى عليها أن تبتلعه في جوفها لتعيده سراً وعبر حرس الجنة (الخزنة) وهم لا يعلمون، فأدخلته الجنة، وما الجنة حتى يومنا هذا إلا الحلم المرتجى منذ القديم القديم أيام عمالقة مكة الذين يبلغ طول الواحد منهم من ثلاثة أمتار إلى عشرة، وكان الواحد منهم يعيش ما بين ثلاثمئة إلى تسعمئة سنة وأحياناً ألف سنة وتقول الأساطير إن الإنسان الأول (آدم) كان مخلوقاً أسطورياً، كانت قدمه على الجبل ورأسه في السماء وكان يسمع دعاء الملائكة وتسبيحهم فهابته الملائكة واشتكت إلى ربها فحط قامته إلى ستين ذراعاً (ما يعادل سبعين متراً).
كانت العرب تسمي ذكر الأفعى أي الثعبان «الشجاع» وقد حرمت قتله.
وتروي أسطورة في الميثيولوجيا العربية إن رجلاً يدعى مالك بن حريم كان قد خرج في الجاهلية ومعه نفر من قومه يريد عكاظ فاصطادوا ظبياً (غزالاً) في طريقهم وكان قد أصابهم عطش شديد فانتهوا إلى مكان يقال له «أجيرة» فجعلوا من شدة العطش يفصدون دم الظبي ويشربونه حتى نفد دمه فذبحوه وتفرقوا في طلب الحطب، ثم نام مالك في الخباء وفجأة شاهد أصحابه ثعباناً ينساب نحو الخباء ويدخل فيه فأقبلوا نحو مالك وهم يقولون: «عندك الشجاع قم فاقتله» فاستيقظ مالك وقال مخاطباً أصحابه: «أقسمت عليكم إلا كففتم عنه» فكفوا عنه وانساب الشجاع مبتعداً فأنشأ مالك:
فدى لكم أبي عنه تنحوا
لأمر ما استجار الشجاع
ولا تتحملوا دم مستجير
تضمنه أجيرة فالتلاع
لقد شعر مالك أن الثعبان طلب حمايته بدخوله الخباء ولذا فإنه حين سيرتحل مع أصحابه وقد أجهدهم العطش ثانية في الصحراء سمع هاتفاً يهتف به، هاتفاً واضحاً إلى آخر الحدود:
يا أيها القوم لا ماء أمامكم
حتى تسوموا المطايا يومها التعبا
ثم اعدلوا شامة فالماء عن كثب
عين رواء وماء يذهب اللغبا
وبالفعل اتجهوا صوب موضع شامة فإذا هم بعين خرارة فشربوا وسقوا إبلهم وحملوا منه في قربهم ثم أتوا عكاظاً فقضوا إربهم هناك ورجعوا إلى موضع العين فلم يروا شيئاً وإذا هاتف يقول:
يا مالك عني جزاك الله صالحة
هذا وداع لكم مني وتسليم
أنا الشجاع الذي أنجيت من زهق
شكرت ذلك إن الشكر مقسوم
يقول الأستاذ فاضل الربيعي في كتابه إلهام «إرم ذات العماد» إن ما تقوله الأسطورة - هنا- على وجه التحديد إن العرب عرفوا في سياق النظام المحرمي نمطاً من تقديس الأفعى (الثعبان - الحية) وإنهم حرموا قتلها فهي مصدر قوة غامضة وربما هي نفسها قوة المقدس المتشظية والمنتشرة والدلالة الصريحة لسلوك الجماعة البشرية الصغيرة التائهة والمهاجرة صوب عكاظ تفصح عن نظرة من هذا القبيل إذ سرعان ما استدركوا حيال الخطر وعدلوا من خططهم فبدلاً من قتل «الشجاع» تم تركه يمضي بسلام ليكتشفوا بعد وقت قصير من ذلك، أن الوصول إلى الماء ونجاتهم من الموت عطشاً إنما جرى بفضل رد الجميل الذي قام به «الشجاع».. هذا التصرف إذا ما وضع في سياق نظرة العرب القدامى إلى طاقة المقدس الخارقة المتشظية والمنتشرة في كل شيء سيبدو مفهوماً تماماً.. إن الأفعى ليست «نجسة» ولكنها تحمل مع ذلك التباساً تصعب مقاومته لأنها فقدت امتيازها الذي ضمنه معتقد عربي قديم وانحدرت مكانتها في سائر المعتقدات التالية وصولاً إلى «الإسلام» حيث أصبحت أخيراً مصدر إشكالية يمكن رؤيتها في مجالات القراء والمفسرين والفقهاء فيما إذا كان الرسول (ص) أمر بقتلها أم لا؟ ويبدو أن ذلك ناجم بصورة أساسية عن قوة المعتقد العربي القديم القائل إن «الحية» كانت تحرس ممتلكات الكعبة.