دائرة التبعية والتخلف ما يسمح لإسرائيل بأن تلعب الدور (السيادي) السياسي والاقتصادي والأمني, بل وحتى الثقافي على امتداد المنطقة العربية, بل والشرق الأوسط الأوسع.
هذا المشروع الصهيوني, انطلق من أفكار المؤسس الأول للصهيونية السياسية- ثيودور هرتزل الذي أعلن عنه صراحة عام 1904 عندما قال: (لقد تحدثنا في الأمر, نريدها من النيل إلى الفرات, إن ما يلزمنا ليس الجزيرة العربية الموحدة, وإنما الجزيرة العربية الضعيفة المشتتة والمحرومة من إمكان الاتحاد ضدنا).
وتأكيدا على الأطماع الصهيونية في المنطقة العربية أعادت مجلة اكسيكميوتف انتلجنت ريسرتش بروجيكت Executive Intelligent Research Proiect التي تصدرها وزارة الدفاع الأميركية, في حزيران من عام 2003 نشر المشروع الخطير الذي اقترحه المؤرخ الصهيوني الأميركي الشهير- برنارد لويس- والذي اقترح فيه تقسيم الشرق الأوسط الى أكثر من ثلاثين دويلة اثنية ومذهبية لحماية المصالح الأميركية واسرائيل, ويتضمن المخطط تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات وإيران إلى أربع والأردن إلى دويلتين, ولبنان إلى خمس دويلات والسودان إلى أربع والسعودية إلى عدة دويلات.. الخ, وكما يرى لويس إن جميع الكيانات ستشلها الخلافات الطائفية والمذهبية والصراع على النفط والمياه والحدود والحكم, وهذا ما سيضمن تفوق إسرائيل في الخمسين سنة القادمة على الأقل.
وفي عام 1985 صدر كتاب عن رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي يتضمن المخططات التي وضعها الكاتب الصهيوني- عوديد نيون- وهي شبيهة جدا بالمخططات التي وضعها برنارد لويس الهادفة الى تفتيت وتجزئة المنطقة.
لكن -عوديد نيون- تحدث عن (المساعي الإسرائيلية في ضرب العراق وتفتيته), ثم عاد ليستعرض بشكل أكثر تفصيلا المشاريع الإسرائيلية لتفتيت لبنان وسورية و الجزائر والسودان والخليج العربي.
وفي هذا السياق الواضح يمكن الإشارة إلى الندوة التي عقدت في مركز دايان لأبحاث الشرق الأوسط وافريقيا التابع لجامعة تل أبيب عام 1990 تحت عنوان ( تفتيت المنطقة العربية)وإلى ندوة نظمتها جامعة بارايلان الإسرائيلية عام 1992 وأوصت بزيادة تكثيف الجهود لتفتيت الدول العربية, ويجب ألا ننسى أن مشروع تفكيك الوطن العربي هو مشروع قديم.
ولعل من أقدم الوثائق الصهيونية التي تتحدث رسميا عن تفكيك الوطن العربي هي تلك التي عرفت باسم ( وثيقة كارينجا) المنسوبة إلى اسم الصحفي الهندي حول تفكيك المنطقة فنشرها في عام 1957 وهي وثيقة مؤداها بالنص الحرفي تفتيت المنطقة العربية إلى دويلات مذهبية.
إن مشروع تفتيت المنطقة وتغيير هويتها قديم جديد, فالفكر الصهيوني القائم على إنشاء إسرائيل الكبرى ذات الهوية اليهودية النقية يستلزم بقاءها الأقوى والمتفوقة حضاريا وعلميا في المنطقة, ويكفي أن نتذكر موقف إسرائىل من الوحدة بين مصر وسورية 1958- 1961 وشعورها بالخطر على نفسها حينذاك, ومن الطبيعي أن يكون الهدف الدائم من وراء ذلك منع قيام أي شكل من أشكال التكامل العربي حتى في حدوده الدنيا , وفي مثل هذه الشروط بالذات يكون للولايات المتحدة مباشرة,و من خلال إسرائيل كلما أرادت الدور الأساسي المقرر سياسيا واقتصاديا وأمنيا, بما يحقق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية ويثبت السيطرة الإسرائىلية في المنطقة, وبذلك فإن (مشروع الشرق الأوسط) هو مشروع صهيوني أميركي في الأساس يستهدف ترتيب أوضاع المنطقة كلها ولمصلحة تحالفهما الوطيد, وعليه فإن خلاصة ما طرح و ومايزال يطرح من مشاريع صهيونية أميركية يثبت مساعي دفع المنطقة العربية في طريق التفتت أكثر وأكثر عبر إعادة تركيبها في إطار نظام الشرق الأوسط الجديد.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تعي الدول العربية حقيقة ما يجري من تهديد لوجودها أرضا وشعبا والعمل ضد مخططاتهم الإجرامية التي نشاهد فصولها في العراق?!