والجميع كان على قناعة تامة بأن المحطة الثانية للقوات الاميركية الغازية هي دول عديدة وباتت أبواق الدعاية الصهيونية والغربية عموما وأعوانها لاسيما في المنطقة يتهافتون على تكريس وتحريض ممن التجؤوا إليهم وانخراطوا تحت لوائهم للضغط على اكثر من دولة تقف حجر عثرة في طريقهم.
وترافق ذلك مع ما طرحته ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش والدوائر الصهيونية والغربية عموما من تعزيز وتوسيع دائرة الضغوطات على سورية على خلفية المزاعم التي تتهم دمشق بالقيام بدور سلبي مزعوم في العراق ولبنان والاراضي الفلسطينية حتى وصلت الأمور لقناعة مشتركة لتلك الاطراف بضرورة توسيع دائرة الضغوطات والعزل لسورية عبر اساليب عدة أبرزها المحاولات اليائسة لتقسيم العرب إلى فريقين معتدلين ومتشددين أو ارهابيين لتشديد الخناق عليهم وبالتالي يتم اسقاط دورهم تلك هي الحالة التي انتقل إليها أصحاب المشروع الأميركي الصهيوني وأعوانهم في المنطقة للنيل من قوى المقاومة وصمودها إلى أن اطلقوا العنان في تموز الماضي في اطار عمل عسكري عدواني لانهاء حلفائها الوطنيين في المقاومة اللبنانية- ونسف القوى الرافضة لمشاريع الوصاية والعمالة وبالتالي تشديد الخناق على سورية لكن سورية كانت صامدة أمام جميع محاولات السياسة الخارجية لاميركا واسرائيل وتحركت بثبات ضمن كل هوامش المناورة المتاحة أمامها دون أن تتخلى عن ثوابت مواقفها وهذا ما أدى بالطبع إلى اتساع دائرة المصداقية في التعامل معها لاسيما حيال الملفات الاقليمية الثلاث العراق ولبنان وفلسطين ولنقرأ الصورة معا بوضوح وبصيرة.
ان مثل هذا الادراك وإن جاء متأخرا الا أن ذلك كما يقول الباحث الاميركي في الازمات الدولية بيترها رلنيف بأن الاميركيين باتوا على قناعة بصحة وصوابية الدور السوري في العراق كما في لبنان وبدور دمشق في اعادة الامن والاستقرار إليها وواقعية نظرتها السياسية للصراع في المنطقة وللحلول المطروحة.
فبعد أن انخفضت وتيرة الضغوط ضد سورية ارتفعت احتمالات العمل السياسي كما يرى هارليف ورغم أن هذا السقف يتراوح بين الارتفاع والانخفاض إلا أن ذلك بالتأكيد يتجه بواقعية إلى الهبوط رغم ما شكلته الغارة الاسرائيلية الاخيرة كنوع من التهديد الجديد لكن ذلك لم يثنها عن مواقفها ولن يفزعها في أن تمد يدها للعمل من منطلق قوة الموقف ثم جاء مؤتمر انا بوليس الذي حاول الاميركيون والاسرائيليون جاهدين عدم دعوة سورية وعزلها في ركن مظلم لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل صحيح لم تصدر توقعات من مسؤولين اميركيين وغربيين تشير إلى أن هناك تحسناً قادماً في العلاقات مع سورية إلا أن هؤلاء وبعد مراجعة مواقفهم وحاجتهم للحوار مع سورية الذي لا يمكن تجاوز دورها جعلهم يتحدثون عن امكانية احياء المفاوضات من جديد.
إذن الصورة باتت واضحة ثوابت في المواقف السورية ودلائل عدة على صدقيتها مقابل فشل تلو الفشل على الطرف الاخر وهذا بالتأكيد جعل فريقا كبيرا من السياسيين الغربيين عموما ينحون إلى العودة مجددا إلى سورية وبالتالي ضرورة الاستماع لوجهة نظرها في المحافل الدولية من جديد لإدراكهم صعوبة القفز فوق دورها في الملفات الاقليمية.