المرأة التي غابت هي امرأة استثنائية عظيمة كانت تعلم أنها مهددة ورغم كل شيء تابعت دفاعها بحماس وعزة نفس لا نظير لهما عن قيم الحرية والديمقراطية, وباغتيالها اغتيل رمز المستقبل الديمقراطي لبلد عانى كثيرا وكامرأة مسلمة أرادت أن تدافع جهارا ودون تعقيد عن القيم وأن تجسد الاعتدال الاسلامي.
لقد كان خروجها الدائم وسط حشود الجماهير علامة على التزامها السياسي وشجاعتها لكن نذالة الإرهابيين وخستهم دليل على أن لغة الحوار قد أفلست تماما.
سلاحها كان شجاعتها وقناعاتها التي أرادت أن تنقذ بها أبناء بلدها من التطرف فمن يتجرأ الآن أن يقود معركتها في بلد استوطن فيه العنف وعدم الاستقرار.
لقد أصيبت الباكستان في أعماقها وغرقت في أزمة من أكبر الأزمات التي واجهتها خلال سنواتها الستين. الانتخابات توقفت حتماأو أرجعت وقد يجبر الرئيس مشرف على فرض حالة الطوارىء لأن الوضع خارج عن السيطرة وقد يكون بلده دخل المجهول وهذا المجهول قد يزعزع المنطقة بأكملها. أزمة كبيرة يواجهها الباكستان منذ قيامه عام 1947 ونستطيع القول إنها أخطر الأزمات. بوتو التي كانت تعلم أنها مهددة وتعرضت للقتل في تشرين أول الماضي أصرت على الخروج وسط تجمع جماهيري كان مقررا أن يدوم ثماني عشرة ساعة لكنه تحول إلى حمام دم ليتبعه بعد ساعات انفجاران أسفرا عن مقتل 140 شخصا لكن مناصريها من حزب الشعب مستمرون على عهدها لأنها الورثية التي تسلمت الراية من أبيها ذي الفقار علي بوتو الذي أعدمه ضياء الحق عام .1979
المجرمون في محاولة الاغتيال الأولى لم يتم البحث عنهم ولم تعرف هويتهم بل ضاع التحقيق أدراج الرياح.
أصابع الاتهام تتجه إلى جهات عديدة, إلى الاسلاميين المتشددين وقدامى الجنرالات (ISI) المخابرات الباكستانية, كثيرون لهم مصلحة باختفاء بناظير بوتو وكثيرون لا يعني لهم شيئا الحماس الذي أثارته منذ عودتها في المرة الأولى عام 1986 علما أن أكثر من مليون باكستاني خرج لاستقبالها بالورود يومئذ, عامان بعدها وكانت أول امرأة رئيسة لحكومة الباكستان وكان انتصارا لشابة جميلة ذكية تنتخب في بلد إسلامي.
حيث احتلت صورتها آنذاك صفحات المجلات المصورة في أنحاء العالم ووصفتها الصحف بالأيقونة, هذا الاغتيال هو زلزال باكستاني وقد أغرق المحللين في التكهنات:
ترى هل ولاؤها للولايات المتحدة قادها إلى حتفها? هل ذهبت بعيدا? هل خرجت عن التزامها بالسيناريو المكتوب لها من قبل واشنطن?
إن ولاءها لأميركا أضر بها كثيرا واستعدى عليها المتطرفون فهي لم تخف أبدا بأنها ستدع القوات الأميركية تلاحق القاعدة في الباكستان, وأمور أخرى لم يجرؤ مشرف على التصريح عنها.
بعد نجاتها من محاولة الاغتيال في كراتشي حاورتها صحيفة الفيغارو ومن بعض ما قالت:
لا أخاف من الانتحاريين وستحتدم المعركة في باكستان وسيختار الجيل الجديد بين الاعتدال والتطرف كما سيختار بين الحرب والسلم, وقد عدت إلى الباكستان لأقود المعركة من أجل الديمقراطية ومن أجل انتخابات حرة نزيهة تقرر مستقبل الباكستان وسيعمل المتطرفون بكل وسائلهم الدموية لنسف ذلك لكنهم لن يستطيعوا اغتيال الأحلام والآمال التي ينشدها الباكستانيون.