تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حين السينما.. كما الريح: تصنع اتجاهاتها

كتب
الأربعاء 2/1/2008
أنور محمد

يُعْتَبر الناقدُ السينمائي المصري (سمير فريد) من أغزرِ النقاد السينمائيين العرب غزارةً في الانتاج, فهذا هو كتابه ذو الرقم (50) في النقد, والذي يفصله عن كتابه الأوَّل قرابة(39) عاماً حيث صدر في العام 1966.

في هذا الكتاب يُعبِّرُ سمير فريد عن وجهة نظره في تطوِّرِ السينما في العالم في 25خمسةٍ وعشرين سنة من 1980 إلى 2005, ومنذ البداية يعلنُ عن إعجابه باتجاه الروسي (سيرجي بارداجانوف) 1924-1990 الذي كان قد أخرج(15) فيلماً, والذي عاش ملعوناً في بلاده طوال نصف قرن, ولم يصبح من الممكن عرض كلِّ أفلامه كما صنعها إلا في ظلِّ عهد جورباتشوف, و يرى أنَّ فيلمه (ظلال الأجداد المنسيين) و الذي يحكي فيه عن قصَّةِ حب من أوكرانيا , لا يزال يحفر عميقاً في ذاكرته فهو لا يزال يذكر المقعد الذي شاهد عليه الفيلم, والذي أخذه لدرجة أنَّه لم يستطع أن يكتب عنه إلا بعد سنوات من عرضه بنادي سينما القاهرة, ومن يومها و طوال ربع قرنٍ يقول سمير فريد: أصبحت (باراجانوفياً) مخلصاً.‏

هذا الإخلاص لم يمنعه من الثناء على الفيلم السوفييتي من جورجيا(الندم), وهو من إخراج(إبولادزي), والذي فاز بالجائزة الكبرى الخاصة للجنة التحكيم في مهرجان كان 1987. وهو فيلمٌ يعبِّر عن سياسة الانفتاح و إعادة البناء التي قادها غورباتشوف. ثمَّ يتحدَّثُ بعدها عن فيلم (معسكر ) للمخرج السنغالي(عثمان سمبين) وهو روائيٌ وقاص; يعتبره سمير فريد قامةً أدبيةً لا تقلُّ عن قامة نجيب محفوظ أو ماركيز. وفيلمه هذا يُجسِّدُ العنصرية الغربية البيضاء, حيث نرى الفرنسيين في إفريقيا يتصرَّفون تماماً كالألمان في فرنسا, عندما يتمُّ محاصرة معسكرٍ للجنود الأفارقة وهم نيامٌ, من قبل القوات الفرنسية, ويتمُّ إبادتهم, ويتحوَّلُ المعسكر إلى أطلال.‏

كذلك يتحوَّلُ منزل العم(يانج تيان كونج( الثريٌ صاحب مصبغة القماش في فيلم( جودو) للمخرج الصيني (زانج ييمو) إلى أطلال, حين يتزوج من فتاةٍ صغيرةٍ(جودو) , ويقيمُ(تيان) ابن أخيه علاقة معها فتنجبُ منه, ويشتغل الشكُّ, ويصير الفيلم تراجيديا سينمائية من طراز رفيع, كما جعل شكسبير من قصة (عطيل) في المسرح. إذ يُقرِّرُ سمير فريد; إنَّنا في هذا الفيلم أمام تحفةٍ بصريةٍ - سمعيةٍ سوف تدخلُ تاريخ السينما من أوسع الأبواب.‏

سمير فريد يذهب بعد ذلك إلى واحدٍ من الأفلام التي سوف تسعى إليها المهرجانات الباحثة عن أفلامٍ متفرِّدةٍ من هذا الجزء من العالم, فيعرضُ لفيلم(الإرهابية) وهو فيلمٌ هندي أمريكي مشترك من إخراج(سانتوش سيفان) والذي فاز بعدة جوائز. ويختار سانتوش لفيلمه بطلة/ أنثى و ليس ذكراً لتكونَ الإرهابية, بحكمِ أنَّ المرأةَ تحملُ وتلد. حيث يصنع الله الحياة داخلها, وهذا هو المقصود باختيار الفنان أنثى بطلةً لفيلمه, فالمقصود أن المرأة ليست مخلوقاً ضعيفا, إذ قامت بتنفيذ ثلاثين عمليةٍ إرهابيةٍ, ويبدأ الفيلمُ و( مالي) تقتل أحد جرحى المعارك مع الجيش الهندي, و زميلة لها تمشط شعرها وتقول: لو كنت رجلاً لتزوجتكِ. إنَّها (مالي) التي لم تصل إلى سن العشرين, والتي استشهد شقيقها في القتال, وكان والدها شاعراً وطنياً معروفاً, والتي يتم اختيارها لاغتيال شخصيةٍ سياسيةٍ كبيرةٍ في عملية انتحارية حيث تتحوَّلُ إلى قنبلةٍ بشرية بوضع حزامٍ من الديناميت حول بطنها.لكن (مالي) تتراجعُ عن تنفيذ العملية في آخر لحظة. وما بين بداية الفيلم ونهايته يُلقننا(سانتوش سيفان) درساً شكسبيرياً في أصول الدراما الشعرية.درساً لا يقلُّ عن الدرس الذي صنعه المخرج الإيراني(محسن ماخمالباف) في فيلمه(الطريق إلى قندهار), والذي شارك في مسابقة أفلام كان 2001. وهو فيلمٌ يصوِّرُ مأساة شعب أفغانستان منذ الغزو السوفيتي وحتى حكم جماعة طالبان, مروراً بالحرب الأهلية التي أدَّت إلى فرار أكثر من ستة ملايين أفغاني ثلثهم يعيش في معسكراتِ اللاجئين في إيران.غير أنَّ سمير فريد يرى أنَّ الفيلم و إنْ كان مادة شعرية جميلة ومدهشة أبدعها فنان يتمتعُ بخيالٍ رائع, لكنها لا تصلح لأن تكون فيلماً, لأنها تفتقدُ السيناريو المحكم, والمونتاج الدقيق. فنحن لا نرى بشراً يعيشون في مجتمع, وإنما مجموعاتٍ من الناس في صحراءٍ مترامية, وبينما يعلوُ الفيلم في مشاهد ضحايا الألغام وهم ينتظرون الأرجل الصناعية تهبط عليهم من طائرات الصليب الأحمر, ينخفضُ كثيراً في مشاهد مجموعات النساء(لابسات) البوركان, فهنَّ بألوان البوركا المتنوعة يبدين وكأنهنَّ فرقةٌ من فرقِ الفنون الشعبية. لا شكَّ أنَّ هناك نوايا عظيمة وراء صنع فيلم(الطريق إلى قندهار) ولكن النوايا العظيمة لا تصنعُ أفلاماً عظيمة.‏

على عكس ذلك وخارج كُلِّ التوقعات وفي مهرجان كان 2003, فاز الفيلم الأمريكي(فيل) من إخراج(جوس فان سانت) بالسعفة الذهبية, لأنّه من الإبداع الخالد على مرِّ الزمن.فيلمٌ وَظَّفَ النوايا العظيمة توظيفاً صحيحاً دقيقاً. فالفيلمُ أقرب إلى الكمال الشكلي من حيث الأسلوب, كما أنَّه بيانٌ فكريٌ كامل عن الحضارة الغربية, والذروة التي وصلت إليها في المجتمع الأمريكي. الفيلم عن حادثةِ الطالبين اللذين هاجما زملاءهما و أساتذتهما في المدرسة الثانوية, وقتلا عدداً كبيراً منهم عام 1999. ولكنَّ الفيلم يستخدم هذه الحادثة للتعبير عن الأزمةِ الروحية الكبيرة في حياةٍ تتوافر فيها كُلُّ الاحتياجات المادية.‏

anouarm@aloola.sy‏

الكتاب: مخرجون واتجاهات في سينما العالم. - الكاتب:سمير فريد. - الناشر:وزارة الثقافة/دمشق 2007.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية