تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ادفنوني واقفاً: الغجر ورحلتهم......!

كتب
الأربعاء 2/1/2008
(أخبريني(سألني) من أين أتى الغجر? على قصاصة من الورق السلوفاكي, رسمت خريطة قرصان, وبدأت أحدد مسار خروج الغجر

من الهند قبل ألف عام) ليس غريباً أن يقول المفكر الراحل إدوارد سعيد عن هذه الدراسة التي أنجزتها إيزابيل فونسيكا عن الغجر:(إنجاز فذ. عمل أصيل آسر) الكاتبة فونسيكا ترافق الغجر في رحلاتهم وتتعرف عليهم عن كثب, تعيش معهم يومياتهم وعبر نساءهم سبرت أغوار أفكارهم وتقاليدهم ومعتقداتهم حول الحياة, الموت الحب والقدر.‏

الكتاب ترجمه عابد اسماعيل وصادر في طبعته الأولى عن دار البلد في 2003 وحديثاً صدر مرة أخرى عن دار التكوين.‏

تبتدىء فونسيكا كتابها هذا بفصل عنوانه (من فم بابوسا) فيه تستحضر شخصية أنثوية من الغجر اسمها برونسلافا داجس, لكنها اشتهرت باسمها الغجري بابوسا, أي (الدمية) كانت بابوسا من أعظم شاعرات ومغنيات الغجر بل أكثرهم شهرة في وقت من الأوقات, عاشت طوال حياتها في بولندا وعندما توفيت في عام 1987 لم يسمع بها أحد.‏

وتروي لنا فونسيكا: (ومثل معظم الغجر البولنديين, كانت عائلة بابوسا من الرحل- وهم جزء من مجموعة من العائلات المرتحلة على الخيل وفي القوافل حيث الرجال في المقدمة, والنساء والأطفال يتبعونهم في عربات مكشوفة, بعض العائلات الأكثر ثراء كانت تبني لنفسها عربات ذات غرف علوية متينة, مجهزة بنوافذ زجاجية ضيقة, وأحياناً محفورة على شكل معينات هندسية, محاطة بأطر خشبية ملونة, ويمكن أن يصل عدد العربات إلى العشرين في القافلة الواحدة, رجال ونساء وأطفالاً وخيولاً وكلاباً وعربات واستمر ذلك الترحال حتى منتصف الستينيات..).‏

فونسيكا ببراعة تستخدم سيرة امرأة لتقدم نصاً سردياً يشبه الرواية يتشكل بنيانها عبر مجموعة كبيرة من الحكايا. عبر أشعار بابوسا تقدم لنا فونسيكا عالم الغجر من خلال حكايات رعوية طويلة- طوراً على شكل قصيدة وطوراً آخر على شكل أغنية, لكنها جميعها (مشيدة بصورة عفوية. ومثل معظم أغاني الغجر, كانت أغاني بابوسا رثائيات نازفة عن الفقر والحب المستحيل ولاحقاً, عن التوق إلى حرية ضائعة. ومثل معظم أغاني الغجر, كانت قصائدها حزينة- في موضوعها ونبرتها تتحدث: كانت عن الانسلاخ. عن الجذور وعن الطريق الطويل والحياة على الطريق. وعن غياب مكان بعينة يذهب إليه المرء, وعن اللاعودة إلى الوراء.‏

فقدت بابوسا أكثر من مئة شخص من عائلاتها (آه يارب, أين سأذهب? ماذا يمكنني أن أفعل? أين يمكنني أن أجد أساطير وأغاني? إنني لا أذهب إلى الغابة ولا ألتقي بأية أنهار. زمن الغجر المرتحلين ولى منذ أمد بعيد, لكنني أراهم, إنهم مشعون أقوياء واضحون كالماء يمكنك أن تسمع الماء يرتحل عندما يريد أن يتكلم).‏

بولندا, يوغسلافيا.. بلغاريا, فرنسا , تابعت فونسيكا وعثاء الترحال كذلك تعرفت على الغجر الذين تركوا حياة الترحال وعاشوا مستقرين في أحياء خاصة بهم وأحياناً مدن استأثروا بها. وبذكاء بالغ تضعنا على حقيقة (القضية الغجرية) المشكلات المتعلقة بتوطينهم حيث بدأ عام 1952 مفعول برنامج عريض لإجبار الغجر على الاستقرار. وكان يعرف باسم التوقف العظيم, بدأ المشروع في بولندا ثم تشكوسلوفاكيا ولاحقاً بلغاريا ورومانيا.‏

وبدأت تظهر أفكار المصلحين بشأن إجراءات لابد منها يفترض أن تحسن كثيراً من الحياة الصعبة للغجر: التعليم هو الأمل الوحيد لتحرير هؤلاء البشر الذين كانوا يعيشون (خارج التاريخ) والاستقرار سوف يمنحهم التعليم.‏

في الفصل الثاني (أصل هندي) تعود فيه إلى أقدم المدونات التي تناولت تاريخ هذا الشعب المرتحل حيث يتفق معظم الباحثين على أن الخروج بدأ في القرن العاشر من الهند وتحكي لنا عن رحلتها في عام 1991 إلى سكوبجي, عاصمة مقدونيا, في جنوب يوغسلافيانيا, مثلما كان وضعها في ذلك الحين- لتقابل شخصاً غجرياً اسمه شايب أسس في عام 1953 أول جمعية (أخوة) أو ناد غجري في يوغسلافيا.‏

وفي الفصل الثالث تسرد لنا ثلاث حكايات لغجريات عشن حيال الترحال والاستقرار وتشرح لنا الأسباب التي دفعتهن إلى ترك أهاليهن, النساء هن (انطوانيت, إميليا, وإلينا).‏

وفي الفصل الرابع تضع لنا عنواناً مستمداً من طباعهم المعروفة عنهم (الناس الأقل طاعة في العالم) وفي الفصل الخامس (الجانب الآخر) تتابع الحلول التي وضعت لما يسمى (المشكلة الغجرية) وعن ردود الفعل الفجة من السلطات المحلية حيال مراسيم متخذة بشأن الغجر (متسكعون وجوالون لكنهم تعودوا كيف يتكيفون ويعيشون على الأغلب في غابات ومستنقعات مهجورة يصعب الوصول إليها, مشكلين بلداناً داخل بلدانهم).‏

(وحده الحظ يقرر) البخت أو الحظ, كلمة يمكن أيضاً ترجمتها بالمصير أو القدر, وبالصدفة.. تقول فونسيكا بأن (الحظ) هي الفكرة المهيمنة على الغجر فوق هذه الأرض. البخت متعلق بالحاضر والمستقبل القريب.‏

فونسيكا تقدم أهم دراسة كتبت في القرن العشرين عن عالم غجر أوروبا تقدمهم عبر يأسهم العاري,بلا زخرف أو مكياج وتقدم وضع الغجري الحالي بعيداً عن صورة الغجري المرتحل فقد ولى ذلك الزمان.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية