أما ليلة رأس السنة فقلة أولئك الذين يشهدون انقضاءها , وقلة أكثر من يبتهجون بمرورها أما استقبال العام الجديد , فكان يوازي بالضبط استقبال يوم آخر عادي بالكاد يلحظ أحد أن فيه ما هو متميز عن سواه من الأيام .
تلك الصباحات لم تعد كذلك والمعادلة تبدلت معاييرها وفرضياتها , كما تغيرت براهينها إذ أضحى مرور العام يتجاوز حدود الروتين والتقليد , وبات لزاماً على الجميع ان يشهدوا رحيله , وعلى الجميع أن يستقبلوا العام الجديد , فيما صباحات أول أيام العيد تأخذ صورة مختلفة تكاد أن تكون متناقضة .
في السؤال عن الاسباب التي عدلت من تلك الصباحات لتكون كذلك , كان هناك من يجد فيها مبرراً للقول إنها المتغيرات الاجتماعية والمادية التي فرضت ذلك , فيما آخرون يرون أنها الثقافة الاجتماعية الوافدة التي بدلت من قواعد المعادلة وقوانينها ليصبح نشازاً ذاك الذي لم يشهد بزوغ أول أيام العام الجديد .
وفي التفسير أيضاً أن ثمة ضرورة أخرى أملت تلك المتغيرات , وهي أن الناس تمضي أغلب أيام العام في الهموم واللهاث المتواصل وراء لقمة العيش وبالتالي فإن الرغبة في استغلال أي مناسبة لبث الفرح وتغيير روتين الحياة اليومية الرتيبة أملت نفسها لتزرع وجودها ولتكون مناسبة للقاء الأهل والأحبة.
وبغض النظر عن مدى القبول بهذه التفسيرات , أو مدى دقتها , فإن تلك الصباحات لازالت راسخة في الوجدان .. تحاكي أحلام الطفولة وذكرياتها , وترسم لوحة جميلة من الصعب أن تمحوها سنوات العمر كله... وفي الوقت ذاته باتت الأمسيات التي تسبق صباح العام الجديد لحظات ... جميلة نحتاجها .. وتتطلبها ظروف الحياة ومتغيراتها.
ولكن ثمة حنين إلى المزاوجة بين تلك الصباحات وهذه الأمسيات , وثمة رغبة في أن نأخذ من هذه وتلك فنعيش أمسياتنا مع الأهل والأصدقاء والأحبة ,لنستيقظ في صباح أول أيام العام الجديد كتلك الصباحات ... مساحات من التفاؤل والنشاط بعيداً عن الاسترخاء ... التي أملته وسوغته في أحيان كثيرة تلك الأمسيات حين تتجاوز في بعض حالاتها الغاية والهدف منها...
صباحات نرنو إليها... نحنّ إلى نشاطاتها .. ولحظات الطموح التي كانت عابقة فيها, لنبني وطناً كل صباحاته مشبعة بالطموح والأمل..!