وفي المعارض العالمية في اوروبا والعالم.. ومناسبة الحديث معرضه المقام حاليا في صالة ألفا للفنون التشكيلية , بالسويداء , والذي يضم 30 عملا بقياسات مختلفة ومواد مختلفة.. ولعل ابرز ما يميز تجربة الفنان انه رغم تجواله في عوالم الفن التشكيلي وتفاعله خلال سنوات اقامته في اوروبا مع تيارات ومدارس الفن الحديث, تمكنه من تأسيس خصوصية مدرسية, عرفت باسمه في اسبانيا,وتمكنه من اختزال الاشكال في اللوحة الى خطوط واشكال تجريدية لونية متناغمة وعفوية, لا تغادر وظيفتها التعبيرية المتصلة ببيئة الفنان الخاصة, وتجربته التي تمتد عبر قرابة نصف قرن من العطاء وتفجيره طاقة الالوان المائية المشبعة بالضوء والحياة, وتحريض الحس الجمالي الانفعالي وتوليده الافكار بحرية وشفافية تعود بنا الى الصدق والعفوية والشفافية التي نراها في بعض رسوم الاطفال .
الفنان اكرم حمزة وصف تجربة الفنان ومعرضه الحالي بقوله: تجربة رائعة تستحق التوقف عندها طويلا لا تساعها المعرفي واهميتها على المستوى السوري- العربي - العالمي, حيث ينحى باتجاه ما يسمى (التعبيرية التجريدية) فيقدم انساننا العربي وهو يواجه تحديات العصر (العولمة) مؤكدا حرية الانسان واستحقاقه في الحياة ومقاومته الاستلاب , فؤاد, الفنان والانسان يؤكد ايضا على اهمية وجود الفنان في بلده منطلقا الى العالمية عبر التواصل الحميمي, وان الانسان بداخلنا لا يزال يحيا, وهو يصر على عرضه اعماله في بلده وفي هذه الصالة بعد تجربته الطويلة في العرض خارج الوطن وفي صالات عالمية الى جانب فنانين كبار, مؤكدا اصالة تجربته وعمق ارتباطه بالمكان, الولادة, الطفولة, الشباب.
اما الفنان التشكيلي ثائر معروف, فيرى ان المتابع لمسيرة الفنان فؤاد ابو سعدة يلاحظ سبره للمجهول البصري الذي لا يمكن ولوجه الا بأدوات لا يمتلكها الا من اصابه قلق التشكيل المعاصر بحالة من البحث والتقصي الطويلين.
ويفسر ذلك مستشهدا بقول اوسكار وايلد( الجمال نوع من العبقرية بل هو حقا ارقى من العبقرية, وانه لا يحتاج الى تفسير فهو من بين الحقائق العظيمة في هذا العالم المظلمة, ويتابع ان الشخوص المختصرة والغائبة احيانا بظلال تعبيرية تشد المتلقي الى حالة من التصوف والغنائية المطلقة فلوحة أبي سعدة تحلي خطير لا سلامة فيه ان اختل توازن ما, او كان هناك شك, انها لوحة القرار فهي تحمل الوعي والعقلانية المغلفة باحساس فوضوي في ظاهره, كما ويعطي الفنان عالما خاصا في كل عمل له على حدة, فهنا ملامح من الحرب وهناك نسيج غرافيكي يفتت عضوية المدلولات المباشرة, وهي تخاطب الاحساس وتمتلك مفاتيح سحرية كي تسخر العقل لخدمتها, ولكنها ليست وافدة كما اعتاد التشكيل الشرقي في اغلبه, انها لوحة الضوء والعتمة, لقد صرخ بول كيلي عندما زار المغرب العربي في بدايات القرن العشرين قائلا ما معناه (يا الهي انها بلاد الضوء ) ولكننا الآن امام اندلسية ابي سعدة فلوحته تحمل ملامح عربية وغربية وتختصر مشاهد ورؤى من عوالم مختلفة تدل على ان الفنان يحمل في مخيلته تجارب كونية قد تتجلى بحوارات طويلة مع قوميات مختلفة, فلوحته ليست محلية ولا يمكن اعتبارها خارجة عن نسيجنا العقلي الشرقي بمفهومه العام فهي لوحة انتماء فيها تسكن روح الفنان القلق واليها ينتمي فهي وطنه, فقد يتقاطع الفنان مع رؤى لفنانين سابقين وقد يكون متأثرا بتلقائية الطفل في احساسه المطلق, ولكنه يحمل بصمته الخاصة التي تدل على تراثه الخاص وان يرسم الفنان بهذه الذهنية كل هذه الفترة الزمنية المتلاحقة فإننا نستدل انه ينمو بشكل صحي ولا يحرق مراحل او يقف في زاوية مغلقة فهو بكل بساطة يرسم .
واللون عند الفنان له احادية قد تكون لها اكثر من دلالة , وقد تكون للون دلالات رمزية متعارضة ومتناقضة (دلالة الموت) و (دلالة الحياة) في الوقت نفسه.
فطاقة اللون هائلة غير محدودة ورمزية الالوان عموما فيها هذه الاشارة الخاصة للتعدد والتنوع والتجلي والخفاء في الوقت نفسه .
ويختصر الفنان معروف رأيه النقدي بالقول: ولا يمكنني الا ان استحضر ما قاله الفنان غوغان: في الرسم كما في الموسيقا يجب على المرء ان يطلب الايحاء اكثر من الوصف. فأعمال ابي سعدة لا تقرأ منعزلة فهي تدور في فلك كوني وتحمل بين طياتها رؤى مستقبلية وأملا كبيرا نحسه, لذلك علينا ان نطيل الوقوف امام كل عمل على حدة.
وكان الفنان ابو سعدة امام معرضه الاخير في صالة عشتار واستمر حتى اواخر كانون الاول .