فمن المعروف أن الإنسان حين يتحدث يمتلك مستويين من الكلام، الأول ما يعبر به وهو الظاهر منه، والثاني ما يضمر في داخله من إحساس أو موقف، ربما يكون مخالفاً كلياً أو جزئياً لما يتحدث به أو ما يقوله من فكرة أو رأي.
شخصياً أعاني من هذه المشكلة، وفي كثير من الأحيان أشعر أنني فعلاً أعبر عن هذه الحالة المستعصية التي قد تتكرر غير مرة في اليوم، وبخاصة أن الرياء الاجتماعي _ للأسف_ أصبح جزءاً من الوسط الثقافي الذي أعيشه.
أحياناً يأتيك زميل ويهديك رواية أو مجموعة قصصية أو شعرية، ثم يطالبك بعد أيام برأي محدد فيما أنجزه. فيما يخصني أعتبر نفسي شاطراً في هذا الخصوص، حتى لو لم أكن قد قرأت بعد ما أهداني إياه هذا الزميل أو ذاك، بحيث أن لديّ «لازمة» لا أريد أن أفصح عنها ههنا حتى لا أفقد وسيلة من وسائل الهروب من مأزق مع زميل أو صديق، قد يخلق بيننا حساسية لا أريدها.
منذ سنوات كنا أكثر صدامية مع الآخرين، وكان الإفصاح عن الرأي، ولو كان قاسياً، جزءاً من طبيعة أحاديثنا، لكن على ما يبدو، أن الإنسان كلما تقدم به العمر، يصبح أكثر حذراً و«حكمة» في علاقته مع محيطه، وقد يصل هذا الحذر والحكمة تلك إلى درجة من درجات الجبن، وهو أمر أصبح أكثر شيوعاً بين الناس وعلى مختلف مستوياتهم العلمية والوظيفية.
المتابع للحياة الثقافية السورية لا بد أنه لاحظ بعض هذا النفاق الاجتماعي وخاصة مع من تولى مسؤوليات قيادية ثقافية، بحيث أن بعض هؤلاء أصبحت كتاباتهم محط اهتمام الجميع وشغلوا الناس بأخبارهم، أما الآن، وقد ذهبت ريحهم، فإن أحداً لم يعد يسمع عنهم شيئاً، وأصبحوا في خبر كان، وكأنهم لم يكونوا اصلاً.
حالة ما وراء الكلام، التي نعيشها في حياتنا اليومية، أصبحت هي الأصل في يومياتنا، وأصبح ما نفصح عنه مجرد هذر لا معنى له، ونفاق اجتماعي مرذول.
الأصل في الكلام دلالته، لكن الشائع أن لا دلالة فيما نقول، بعد أن تحولت كلماتنا وابتساماتنا إلى مجرد أقنعة نتستر بها من كلام نخشى الإفصاح عنه، خوفاً من مجهول طال كل شيء فينا .
ملحق فواصل
يقول مارتن لوثر كنج:
توشك الحياة على الانتهاء عندما نصمت إزاء الأشياء ذات القيمة.
ghazialali@yahoo.com