السلطة عبر نضال سياسي ضد أفراد أو مجموعات بشرية أخرى، يوضح – التعريف- أهمية هذا الخطاب وقوته الاستعماليتين «البراغماتيين» اللتين تربطانه بمسألة السلطة، مما يدفع الممثلين السياسيين إلى الاهتمام بالآليات المفيدة لتحقيق غرض استلام السلطة بالطرق الشرعية.
إن علاقة الخطاب السياسي بشرعية السلطة قضية خطابية « طريقة قول الخطاب ومعرفة آليات هذا القول». ولا تكتسب المجموعة السياسية أو الحزب السياسي شرعيته إلا بعد القيام بعملية خطابية كبيرة تتخذ أشكالاً متعددة وتعبر عن نفسها من خلال قنوات اتصالية متعددة. ومن هنا اهتمام المجموعات السياسية بالسعي المحموم إلى اتباع أشكال سياسية قادرة على التأثير في المستمع.
إذا انطلقنا من هذا الفهم للخطاب السياسي ولدوره في شرعنة السلطة، نكون قد حددنا بعض خصائص الخطاب السياسي التي تعطي هوية لهذا النمط من الخطابات في مجمل الأشكال المتنوعة للخطابية: مثل الغموض المقصود «بوصفه أداة إقناع»، وما يتميز به من إخفاء «المسافة بين ما يقول الخطاب وما يفعله»، والبعد الأمري «دفع المتلقي إلى القيام بفعل ملموس».
إذا كان للخطاب الدبلوماسي دور بالغ الأهمية في عملية شرعنة السلطة لا بد من معرفة هامش الحرية التي يعمل في إطارها، والقيود التي تعترضه، والعوائق التي تقف في سبيل تحقيق مقاصده.
لو قارنا الخطاب السياسي بغيره من الخطابات لرأينا أن المساحة التي يشغلها تفوق تلك التي يمكن أن تُتاحَ للخطابات الأخرى كالخطاب الفلسفي، أو الخطاب العلمي أو الخطاب الديني، الخ...» لأنه يستخدم كل ما من شأنه التأثير على قرار المتلقي في اتخاذ خياره بدءاً بالاقتصاد مروراً بالاجتماع والتربية والإدارة وانتهاء بالأخلاق والفلسفة لتحقيق الأهداف المرجوة.
ويتميز الخطاب السياسي بإمكانيته في استخدام عدد غير محدود من الأساليب والأشكال الخطابية «كالشرح والسرد والبرهنة..» ووضعها في سياقات مناسبة، وبنسبٍ مختلفة، للإفادة منها في التأثير على المستمعين. كما يمكنه اللجوء إلى ما يناسبه من أشكال البرهنة «الاستقرائية والاستنتاجية، والقياس الخ..» بهدف إقناع المتلقي وتوجيه خياره وقراره المناسبين لإضفاء الشرعية على السلطة التي ينوي تسلمها.
أخيراً، قد يكون الخطاب السياسي النمط الوحيد من الخطابات التي يكون فيها التضليل مُعقلناً، ولا يعد عيباً أو مثلبة، إنما أداة فاعلة للتأثير على المستمع.
لكن الحرية التي يتمتع بها الخطاب السياسي تعترضها بعض القيود. كالقيود العقائدية، لأنه تعبير ملموس عن عقيدة سياسية عليه أن يلتزم بمتطلباتها، ولأنها الطريقة الوحيدة التي تدفع مجموعة سياسية أو حزباً سياسياً للاعتراف بأهميته.
القيد الثاني هو ضرورة أن يكون الخطاب السياسي قابلاً للتصديق. فإن لم يكن كذلك فسيخف تأثيره على المستمعين. لكن التضحية المقدمة لا تهدف تحقيق الهدف إنما تصديق الخطاب. أخيراً ثمة قيود ناجمة عن علاقة الخطاب السياسي بمصالح الفئة التي يدعو إليها وتلك الخاصة بالخصوم.