إذ إنه كان يحضر في جلسات المثقفين أو في أحاديث القراء العاديين. وكان الجدال يدور دائماً حول هذه الرواية الجميلة وأحقيتها في تصدر المشهد الروائي السوري. وفي المحصلة كانت غالبية الآراء تنحصر في أنها رواية من بين أجمل الروايات السورية والعربية أيضاً.
غاب الطروسي في زحمة الهموم العربية، وفي زحمة الروايات الجديدة، ولكنه لم يختف، وعاد حياً من جديد على الشاشة الكبيرة، بتوقيع المخرج غسان شميط. عاد الحنين إلى تلك الأيام التي تصدرت فيها الرواية الساحة السورية، وتمنى القراء والمهتمون أن يستطيع الفيلم الاقتراب من جمالية الرواية إلى حد كبير.
شخصيات الرواية تظهر على الشاشة، تتصارع مع بعضها ومع البحر، وينتصر الطروسي ثانية، ينتصر للفقير والمعذب، وينتصر للحق والعدالة والمحبة. إنه النموذج المحبوب من الناس، والذي لا يمكن أن يخذلهم بوقوفه إلى جانبهم. وعلى الشاشة يكون جهاد سعد هو الطروسي، ويعرف عن نفسه بأنه رجل يحمل في داخله روح الثورة «لأنه رومانسي وابن بيئة فقيرة». هذا الفقير يحمل حلماً، ولكن البحر يحاول تحطيم حلمه عبر تحطيم سفينته، إلا أنه لا يستسلم. ورغم افتتاحه لمقهى على البحر، إلا أن البحر وعواصفه كان يشكل الحياة الحقيقية لديه، وينتظر الفرصة المناسبة لركوب أمواجه.
تكمن نبالة الطروسي في دفاعه عن الآخرين وعن حقوقهم أكثر مما يدافع عن حقوقه. كان بالنسبة إليهم الرجل النقي والنموذج المثالي عن الخير. حتى الناس الآثمون ليسوا أعداء للطروسي، فها هو يتعرف إلى بائعة الهوى أم حسن، التي تلعب دورها رندة مرعشلي، ويغير مجرى حياتها، إذ يبعدها عن بيوت الهوى، ويصنع منها شخصية فاعلة. وهذا في حد ذاته، يعبر عن رؤية حنا مينه إلى الحياة، وأن البشر قادرون على تغيير مصائرهم، وخلق حياة جديدة.
وكعادة الأبطال، فإن الطروسي، رغم دفاعه وحبه للفقراء، لا يصنع من الأغنياء أعداء له، إلا إذا حاولوا تدمير حياة الآخرين. وإذا اضطره الأمر، فإن إنقاذهم من الموت واجب عليه، كما هو واجبه تجاه الفقراء أو تجاه أهل بيته. وهكذا فإن الريس سليم الرحموني رجل غني، ويلعب دوره الفنان ماهر صليبي يملك مركباً وينزل إلى البحر باستمرار. وفي إحدى المرات، يعلق في عاصفة، ويضيع وسط البحر. ولا يجد الطروسي نفسه إلا وقد ركب مركبه وتوجه إلى حيث العاصفة لإنقاذ الريس سليم. وبالفعل يتم إنقاذه.
الحياة ليست جميلة على الدوام، ولا يستطيع الطروسي بلمسة سحرية أن ينقذ العالم، ويحيله إلى كتلة من المحبة والخير. فالواقع مليء بالانتهازيين والنفعيين، على غرار شخصية «أبو رشيد»، ذلك الرجل السلبي المسؤول عن الميناء، ويمثله على الشاشة الكبيرة الفنان حسام عيد. ويقول عيد عن أبي رشيد: «إنه حوت المينا يبلع كل شيء هناك. وهو من الشخصيات البرجوازية في تلك الفترة، شخصية قوية جداً الكل يخاف منه وهو على صراع مع الطروسي بطل الفيلم ومع التجار الكبار، وهو يتحكم بأشياء كثيرة، فالشخص الذي يعجبه ييسر له أعماله والذي لا يعجبه يعطلها، ونرى هذا الشخص مسيطراً على كل شيء إلى درجة أنه يتدخل بحركة الناس بشكل عام».
وغير بعيد عن الطروسي يحضر أبو محمد الذي يدير مقهى الطروسي، ويمثله على الشاشة جرجس جبارة، ذلك الرجل النبيل والعاقل، والذي يلعب دوراً محورياً في الفيلم من خلال حكمته ومحبته ورؤيته العميقة للأشياء.
وبالنسبة إلى المخرج غسان شميط فإن رواية «الشراع والعاصفة» هي: «الأهم في الأدب السوري»، ويتوقع أن تحولها إلى فيلم سينمائي سيكون رافداً وداعماً للسينما السورية».
المخرج غسان شميط يصف الشراع والعاصفة بأنه: «قصة مدينة سورية ساحلية أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث صور فيها حنا مينه ببراعة مدهشة أثر الحرب وما تركته من عواصف في بلاد يحتلها الفرنسيون وأبرز التناقضات التي كانت تسيطر على مجتمع غير متجانس ولكنها أولاً قصة رجال البحر، قصة الانتصار على الطبيعة القاسية، قصة الإرادة البشرية والمغامرة».
بعد عمل متواصل لسنة ونصف السنة، ينتهي طاقم العمل من الفيلم، ويتم عرضه منذ أسبوع في سينما كندي دمر.
فيلم الشراع والعاصفة من إنتاج مشترك بين المؤسسة العامة للسينما وشركة كان للإنتاج السينمائي والتلفزيوني والتوزيع الفني. وقد أنجز مشهد العاصفة والغرافيك الخاص بها في أوكرانيا في الشركة نفسها التي صممت الغرافيك لفيلم التيتانيك. وقد كتب سيناريو الفيلم وفيق يوسف وغسان شميط، وإخراج غسان شميط.
جسد شخصيات الفيلم عدد من الفنانين منهم: جهاد سعد، زهير رمضان، ماهر صليبي، رندة مرعشلي، هدى شعراوي، جرجس جبارة، زهير عبد الكريم، حسام عيد، أندريه سكاف، وضاح حلوم، هاني الأطرش، عبد الله الشيخ خميس، درغام المرقبي، ناصر المرقبي، سهيل حداد، ريما الشيخ، لانا شميط، جهاد عبدو.
والآن ها هو الطروسي وشركاؤه في الرواية يتحولون إلى شخصيات من لحم ودم، يحاولون تحويل الكلمات الجميلة والمعبرة إلى صورة معبرة، مليئة بالحيوية والمشاعر والأفكار. وبما أن الرواية نجحت، وهذا لا نزاع فيه، فإن المهمة التي تقع على عاتق طاقم الفيلم جميعاً، هي أن يكون العمل ناجحاً أيضاً؛ إذ لا ينقصه شيء، حيث قال مدير المؤسسة العامة للسينما إن الفيلم «ينتمي إلى الإنتاجات الكبيرة التي أنجزتها المؤسسة كونه يعتمد رواية شهيرة ويحمل اسم مخرج استثنائي قدير، إضافة إلى تسخير آخر ما توصلت إليه تقنيات العصر في العمل السينمائي».
رغم كل التصريحات، فإن نجاح الفيلم يحدده المشاهدون، الذين خرجوا من بيوتهم نحو الصالة، وهم يتمنون أن يشاهدوا فيلماً، أقل ما يقال عنه إنه جميل. والأيام القليلة القادمة ستخبرنا. ونتمنى أن ينجح الفيلم شعبياً أولاً ونقدياً ثانياً.